عن المجتمع المدني والهيمنة الثقافية وحرب المواقع. أيمن الخطيب

0 673

 

العالم الان – في سؤال غرامشي لماذا نجحَت الثورة في الشرق
” روسيا القيصرية” وفشلَت في الغرب؟
كانت الإجابة أن المجتمع المدني الذي يسند الدولة كان هلامياً في الشرق ما أتاح بسهولة سقوط الدولة القيصرية ونجاح الثورة البلشفية، في حين أنهُ كان متيناً وصلباً في الغرب،
ما منع بطبيعة الحال أي نجاح ملموس للأحزاب الثورية.

تقودنا أسئلة غرامشي نحو مستوى من التحليل يهدف إلى تفكيك بنية الدولة وتفكيك خطابها ومحاولة فهم أسباب بقائها.
فما هو المجتمع المدني وكيف يعمل على تثبيت هيمنة الدولة وهيمنة الكتلة التاريخية الحاكمة
” البرجوازية” وترسيخ خطابها السياسي الثقافي العام؟

يُعبّر عن المجتمع المدني أنه نتاج العلاقات الاجتماعية والمنظمّات التي لا دور لها ابداً في الانتاج الاقتصادي ولا في عمل الدولة، وهو إذن مدى اجتماعي تدور فيه الأفراد والجماعات والخلافات ذات الطابع الأيديولوجي.
أما بنيّة المجتمع المدني فهو يتشكل من الدين والتعليم والصحافة والأحزاب السياسية والنقابات…. وغيرها
وتنخرط هذه جميعها في سلسلة من نقاش مفتوح بهدف إقناع ورضا الطبقات المغلوبة بهيمنة الطبقات السائدة والسلطة الحاكمة.
وفي مقابل المجتمع المدني، ثمة مجتمع سياسي ينشأ في ساحة ممارسة القوة ويتكون من العسكر والقانون/ ثنائية القوة والإدارة/ باعتبارهما مؤسستيَن من جهاز الدولة الضبطي وتنحصر وظائفهم في الإدارة والقمع،
أو حسب ما أطلق عليه ماكس فيبر
” العنف الشرعي ” الذي يؤمّن سيطرة البرجوازية الحاكمة.

فالدولة إذن هي نتاج المجتمع المدني والمجتمع السياسي والدولة نفسها،
مثلث تتكامل أضلاعه ويغذّي كل منهم الآخر،
وبناءً على ذلك فإن الفرضية الليبرالية والنيولبرالية التي تقول بحيادية الدولة عن المجتمع المدني تسقط فوراً، إذ أن مستوى كبير من العلاقات السياسية للدولة داخلة بقوة في مفاصل المجتمع المدني.
بل أن ديناميات العلاقة الثنائية هذه يمكن تلمسّها بوضوح في كل مرّة يتقدم فيها المجتمع المدني في ضبط الايقاع مجتمعيا بما يخدم رغبات وتوجه السلطة.

“المجتمع المدني شرط مؤسس للسيطرة”.

وبمعنى آخر يقفز سؤال هل بقاء الدولة يقتصر فقط على قدرة المجتمع السياسي في تأمين ذلك؟؟؟
إنّ نجاح الكتلة التاريخية الحاكمة في فرض هيمنتها لم يكن فقط بسبب القبضة الحديدية التي يمارسها المجتمع السياسي في ميدان القوة، بل أيضا بتوظيف المجتمع المدني للهيمنة على التصورات الثقافية
” الوعي ” لدى الناس.
إن مثل هذه الهيمنة الثقافية الناعمة التي تقودها المؤسسات الناعمة والتي تحدث على إيقاع موازٍ للهيمنة التي تمارسها المؤسسات الصلبة،
تضمن ترسيخ سيطرة الدولة وتوفر مناخاً لاستمراريتها وتفرض نوع من القبول المريح لدى المغلوبين بوجهة النظر السلطة القائمة والغالبة واعتبارها بديهية.
وتحول تدريجياً دون أن تنخرط الشرائح الاجتماعية في تشكيلات حقيقية رافضة أو مناهضة أو ساعية للتغيير.
وفي أفضل الحالات فعي تنخرط بما يسمى ” الثورة السلبية ”
Passive revolution.
وهي شكل من أشكال الوهم بالتغيير السياسي الاجتماعي الثقافي.

“حرب المواقع”.

في الدولة التي تشهد مستوى معقول من التوازن في العلاقة بين السلطة والمجتمع المدني، فإن النضال السياسي المتراكم لا يتخذ لنفسه شكلَ حرب الحركة الخاطفة على غرار الثورات البلشفية والكوبية وغيرها…
إنما يلجأ النضال السياسي إلى ميدان حرب المواقع في سياق
كسر حلقة الهيمنة الثقافية ويسعى هناك إلى كسب المجتمع المدني لصالحه،
واختراق اللغة اليومية المتداولة
وطرح خطاب مضاد في الأوساط الاكاديمية ومواجهة الإعلام النمطي الجماهيري
وهو ما أطلق عليه غرامشي عمل
” النمل الأبيض ” العمل الهدام الخفي.
الذي يتسم بالهدوء والتنظيم والاستمرارية والنفس الطويل

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد