تدشين حملة علاقات عامة يقيمها محمد بن سلمان

0 264

العالم الآن – شرعت السعودية في حملة علاقات عامة واسعة في العالم.
ففي الأيام القليلة الماضية عيّنت الرياض أولى سفيراتها على الإطلاق في أعلى مناصبها الدبلوماسية في العاصمة الأمريكية واشنطن، وفي غضون ذلك اختتم للتو ولي العهد المثير للجدل والقائد الفعلي للبلاد، الأمير محمد بن سلمان، جولة مشهودة في آسيا، مبرما صفقات استثمارية وتجارية بمليارات الدولارات في كل من الصين وباكستان والهند.
لقد انقضى أقل من خمسة أشهر على ردة فعل الغرب وذعره من جريمة القتل المروعة والمخطَط لها التي تعرض لها الصفحي السعودي المنتقد لنظام بلاده، جمال خاشقجي، في مبنى القنصلية السعودية باسطنبول.وخلصت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي أيه” ومعظم أجهزة الاستخبارات الغربية إلى أن ولي العهد السعودي، الذي يعرف في الغرب عادة بأحرف أسمه الأولى “أم بي أس”، يقف على الأرجح وراء الجريمة، وهو ما ينفيه مسؤولون سعوديون بشدة.
وبعد الاحتفاء الذي كان يحظى به بن سلمان في المدن الغربية، واجه تجنب قادة الغرب الالتقاء به في قمة مجموعة العشرين الأخيرة في العاصمة الأرجنتينية بوينس ايرس.ولا يزال الإعلام الغربي يكيل الإدانات لولي العهد، ليس بسبب قضية خاشقجي فحسب، ولكن لاعتقال متظاهرين سِلميين بينهم نساء، ومواصلة الحرب الكارثية في اليمن.ماذا يفعل ابن سلمان إذن؟ رأى ولي العهد أن يتجه صوب الشرق، تماما كما فعل قادة دول الخليج العربية عام 2011 في أعقاب الانتقادات الأوروبية للممارسات الأوتوقراطية في منطقتهم. وقد حظي ابن سلمان بترحيب حار وفُرِش له السجاد الأحمر.
وفي باكستان، البلاد المسلحة نوويا والتي تواجه الآن أحوالا اقتصادية مزرية، وزّع بن سلمان بسخاء، وحيّته المدفعية بواحد وعشرين اطلاقة، وآزرتْ طائراتٌ باكستانية مقاتِلة طائرته فور دخوله الأجواء الباكستانية، وتلقى رشاشًا مُذّهبًا هدية.
وفي الهند، استقبل رئيس الوزراء نارندرا مودي بن سلمان بترحاب دافئ، وناقش معه صفقات استثمارية ضخمة، معظمها في قطاع الطاقة.
وفي الصين، القوة الآسيوية العظمى البازغة، أجرى ولي العهد السعودي محادثات مع الرئيس شي جينبينغ، ووقع اتفاقا لتدشين مصفاة بقيمة 10 مليارات دولار.
ولا يسافر أفراد العائلة الملكية السعودية بمفردهم. وإذا كنت ولي العهد والحاكم الفعلي، عليك أن تصطحب معك موكبا هائلا قوامه نحو 1100 شخصية في عدد من الطائرات، يحتلون مئات من غرف الفنادق، إضافة إلى اصطحاب صالة تمارين رياضية خاصة يمكن نقلها.
ويتضمن الموكب الملكي صحفيين من وسائل الإعلام المملوكة للدولة، والمنوط بهم أن ينقلوا للشعب كيف كان استقبال قائدهم.
لقد عد وضع محمد بن سلمان داخل السعودية مستقرًا فعليا حتى قبل هذه الرحلة؛ فليس ثمّة منافسون آخرون خطرون على العرش. على أن ما حظي به ولي العهد من حفاوة استقبال في دول آسيوية مهمة كفيل بأن يؤتي ثمارا إيجابية في الداخل السعودي وبأن يطرد فكرة نبذه على خلفية جريمة قتل خاشقجي.
بيد أن أمريكا بالرغم من ذلك تبدو صعبة المراس. وليس من قبيل الصدفة إذن تعيين امرأة في منصب السفير السعودي في واشنطن.
وتعد الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، سيدة أعمال ناجحة بصفتها الشخصية. كما نشطت في المطالبة بدور أكبر للمرأة السعودية في المجتمع.كن ثمة تحديات تنتظر الأميرة ريما مع الكونغرس، ومع الإعلام الأمريكي الذي يركز بشدة على أوجه قصور تكتنف سجل حقوق الإنسان في السعودية.
وكان الأمير خالد بن سلمان آل سعود، سلفها في منصب السفير، قد غادر واشنطن على عجل بعد قضية خاشقجي. واتُهم بالتواطؤ في مقتل الصحفي، وهو ما أنكره الأمير، وأُخبر بان لايعود من دون تفسير واضح لما حدث.
أين أوروبا من كل ذلك؟ إنها باختصار في دوامة.
تعد السعودية أكبر شريك تجاري لبريطانيا في الشرق الأوسط، وتعتمد نحو 50 ألف وظيفة بريطانية على السعودية.
وبما تمتلكه من ثروة نفطية هائلة، تعد المملكة الصحراوية بمثابة سوق ضخمة لشركات التصدير، وبشكل مثير للجدل هي مُستورد رئيسي للسلاح البريطاني، وهو ما تعهد زعيم المعارضة جيريمي كوربين بإنهائه.
وتعد علاقات بريطانيا وفرنسا مع السعودية أقل دفئًا، لكن أيا منهما لم تتخذ تدابير ملموسة ضد الرياض. أما ألمانيا، فقد ردت على مقتل خاشقجي بتجميد صادرات الأسلحة، على نحو يهدد الآن بإضرار في العلاقات الدفاعية بين المملكة المتحدة والسعودية لأن أجزاء من الطائرة طراز (تايفون) تُنتج في ألمانيا.
وتبدو رسالة السعودية إلى الغرب مزدوجة: فعبر التقرّب إلى أمم كبرى ومهمة في آسيا، تقول السعودية: “لدينا أصدقاء آخرون حول العالم وهم سعداء بالتعاون التجاري معنا”؛ وعبر إرسال سفيرة شابة إلى واشنطن، تقول السعودية: “نعلم أن لدينا مساحة لنتجمل ومن ثم فنحن سعداء بأن نستمع لما يجب أن تقولوه”.
يبقى أن ما يهمّ منتقدي السعودية هو ما إذا كان أي مما تقدم سيحدث أي تغيير في الطريقة التي تتعرض بها المعارضة السياسية السعودية في الداخل للقمع، وهو الأمر الذي لا يزال يسبب حرجًا للحكومات الغربية التي تتعامل مع الرياض
“BBC”

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد