إجتماع إتحاد البرلمان العربي والدبلوماسية البرلمانية -د. غالب سعد – الأردن
العالم الآن – استضافت العاصمة الأردنية، عمان، في بداية شهرمارس/ آذار الحالي، الدورة التاسعة والعشرون، للإتحاد البرلماني العربي، في ظل أوضاع عربية لا تغيظ عدو ولا تسر صديق، وفي هكذا ظروف، يمكن تَفَهُم صعوبة المهمة الملقاة على كاهل الدولة المضيفة، التي ينصب إهتمامها على توفير النِصاب وإنجاح الإجتماع، وقد إستطاعت الأردن، التي تولت رئاسة الإجتماع، ممثلة بالمهندس عاطف الطراونة، رئيس مجلس النواب، الخروج المُشَرف من المطبات الموضوعية والبروتوكولية، التي واجهت الإجتماع، فقد تجنبت،من باب الوقاية، الخوض في المواضيع الإشكالية، وما أكثرها، وعملت على أن يَقْتَصِر جدول الأعمال على موضوع القدس والقضية الفلسطينية، وتجنبت بذلك الخوض في أي موضوع قد يعمق الخلافات أو ينكأ الجراح بين الأشقاء، وفي المضمون، يعتبر اختيار الأردن لموضوع القدس، والقضية الفلسطينية، بشكل عام، طريقة لتأكيد الموقف الأردني الداعم للحقوق الفلسطينية المشروعة، والرافض للسياسات الإسرائيلية العدوانية ، وهي دعوة للعرب الذين أنهكتهم الصراعات البينية، واشغلتهم المعارك والتهديدات الوهمية، عن قضية العرب الأولى، كما كانوا يرددون، كما حملت الخطوة الأردنية، رسالة للفت نظر المجتمع الدولي لما يجري في الأراضي الفلسطينية، من مظالم وانتهاكات، وتحذير من خطورة فشل عملية السلام، وما أحوج الفلسطينيين لهذا الدعم، وهم يخوضون معركتهم لوحدهم تقريباً، ضد التعنت الإسرائيلي والإنحياز الأمريكي، وقد انشغل عنهم الجميع بمشاكله وهمومه، وانشغلوا هم أنفسهم، بدوامة الإنقسام وانسداد الأفق والضائقة المالية.
وقد حققت الدبلوماسية البرلمانية الأردنية إختراقاً آخر، لا يقل أهمية، حين نجحت في جمع ممثلين من كل البرلمانات العربية تقريباً رغم، ما بينهم من تباين وخلافات، وتمكنت بشكل لافت، من تأمين حضور وفد يمثل مجلس الشعب السوري، الذي عاد للمشاركة لأول مرة منذ نقل مقره الاتحاد البرلماني من دمشق، وتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية ومؤسسات العمل العربي المشترك، نهاية عام 2011، ولا شك أن هذه العودة السورية الأولى برعاية الأردن وعلى أرضه، لها دلالة خاصة، تتعلق بنجاح الأردن على مدى ثماني سنوات من الاحداث، بأن يبقى على الحياد في مشكلة داخلية سورية، وأن يحافظ على خطوط التواصل مع كافة الأطراف، وينأى بنفسه عن التورط المباشر، وهو موقف حكيم يمكن البناء عليه لدور اردني ، في اعادة لملمة الوضع في سوريا الجديدة المستقرة المتصالحة مع ذاتها، وإدماجها في النظام العربي، ويمكن للأردن ان يتوسع في مثل هذا الدور التصالحي البناء، في كل بؤر الخلاف بين الاشقاء العرب، في فلسطين والعراق وليبيا واليمن والخلاف الخليجي…الخ.
وأخيراً، نجحت الرئاسة الأردنية للإجتماع ممثلة بالمهندس عاطف الطراونة، بالخروج ببيان ختامي توافقي الى حد بعيد، يركز على أولوية القضية الفلسطينية وضرورة التوصل لحل عادل لها على أساس مبادرة السلام العربية والقرارات الدولية، كما أكد البيان على دعم صمود الشعب الفلسطينيين ونضاله في الدفاع عن حقوقه ومقدساته، وقدر المجتمعون جهود القيادة الاردنية الهاشمية، ورعايتها للمقدسات في القدس الشريف، ومن النقاط التي وردت في البيان وتستحق التوقف عندها، الدعوة لوقف التطبيع مع اسرائيل والتصدي له بحزم، وهو مطلب يتفق مع تطلعات الشعوب العربية التي تمثلها البرلمانات، ويأتي في الوقت المناسب، الذي يجري الترويج فيه “لصفقة القرن” الأمريكية، بهدف جر العرب للتطبيع مع اسرائيل، دون إلزامها بإنهاء الإحتلال وتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، واذا كان الوفد البرلماني الأردني وجد الشجاعة لتمرير مثل هذه الفقرة في البيان الختامي، ومعه بعض الدول مثل، فلسطين والكويت وسوريا ولبنان، فان دولاً عربية اخرى قد لا تملك ترف الوقوف في وجه الادارة الامريكية التي تبدي حماساً ودعماً كبيراً للتطبيع، وهذا ليس من باب التبرير، بقد ماهو الأسلوب الأردني في مقاربة الأمور، بالوسطية والإعتدال، وتعميم ثقافة الحكمة، إنطلاقا من الآية الكريمة،” أُدعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ”
ومن أهم ما أشار اليه البيان، ضرورة تكثيف النشاط البرلماني العربي لدعم القضية الفلسطينية، والعمل على دعم جهود المصالحة بين الفلسطينيين بناء على مقترح ومبادرة الوفد الكويتي، ومع أن العلاقة بين طرفي الانقسام في فلسطين وصلت الى مرحله معقدة، لاسباب داخلية خاصة بهم وأخرى خارجية محيطة بهم، يمكن التفاؤل بجهود كويتية – أردنية، في اطار الإتحاد البرلمان العربي، أن تجد فرصة للنجاح، اذا اكتشفت أسباب تعثر المحاولات السابقة لتعثر المصالحة بين الفلسطينيين،، واعتمدت مقاربة جديدة غير تقليدية، مثل مراعاة الخصوصية الجغرافية والسياسية، لكل من الضفة وغزة، واقناع طرفي الانقسام، بصيغ وأفكار جيدة، مثل نظام اللا مركزية، على سبيل المثال.