الشباب يقود حركة التغيير في الجزائر
العالم الآن – يطل مبنى البريد المركزي على مشهد يجسد كفاحا من أجل مستقبل الجزائر بعد أن كان رمزا من رموز ماضيها.
يتجمع المحتجون في ساحة البريد المركزي التي تمثل رمزا لحقبة الاستعمار الفرنسي في وسط العاصمة الجزائر.
ويقول البعض إن الجزائريين الذين تحرروا من الحكم الاستعماري في عام 1962، يكافحون من أجل استقلالهم من جديد، وهذه المرة من نظام حكم مكروه يتسم بالجمود.
أصبح يوم الجمعة يوما رئيسيا لتنظيم الاحتجاجات، إذ يحتل المتظاهرون درج مبنى البريد المركزي حتى الساحة المركزية أمامه.
وينبض الحشد بالحيوية والأمل. لكنه يختلط بشرطة سرية، إذ يمثل القمع حجر أساس هنا. وإذا كانت الحرية على وشك أن تنتصر، فيبدو أن المتظاهرين لا يملكون بعد وصفة تحقيقها.يظهرون في غضون دقائق عندما ترفع الكاميرا. بعضهم مهذب الخلق. والبعض الآخر ليس كذلك. يطلبون منك إبراز أوراق اعتمادك الصادرة من حكومتك، وهي أوراق لا تستطيع التحرك بدونها. ويتجمعون كلما سعيت إلى إجراء مقابلة خاصة مع محتجين، أو تصويرهم بالهواتف. والهدف من ذلك هو ترهيب المتحدثين. وإن كان من الصعب التخلص من عادات قديمة، إلا أنها أصبحت أقل فعالية هذه الأيام.
هذا ما فعله عدد من رجال الشرطة الذين يرتدون الزي المدني عندما بدأنا تصوير أمينة جوادي، طالبة تبلغ من العمر 22 عاما وتدرس العلوم السياسية، كانت تنظر إليهم وهي تواصل الحديث معنا.
قالت لنا: “لم نعد نخاف. نحن شباب وشجعان للغاية. الناس أبطال”.لم يروا حكما في الجزائر غير فترة حكم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة. وبالنسبة لأمينة وكثيرين غيرها تمثل نهاية فترة عقدين من رئاسته مجرد بداية. يقولون إن زمن “النخبة الحاكمة”، زمرته من الجنرالات ورجال الأعمال والسياسيين من الحزب الحاكم، انتهى.
كان من بين جموع اللافتات الاحتجاجية، واحدة بنكهة “بريكست”، تقول “المغادرة تعني المغادرة”.
وتعتقد أمينة أن نظام الحكم لن يصمد بقوة. وأضافت: “لو أرادوا المواجهة لفعلوا ذلك في البداية”.
يقود الشباب هذه الحركة الاحتجاجية، على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشوارع، لاسيما وأن نصف تعداد سكان الجزائر دون سن 30 عاما، ويرغبون في تغير لا يحدث إلا كل جيل.
وتقول مريام سعود، طالبة تبلغ من العمر 19 عاما: “لابد أن ترحل وجوه باتت ظاهرة لنحو 20 عاما. نريد أن ننتخب من يمثلنا. نريد أن يُسمع صوتنا، نريد أن يتغير كل شيء”.
والهدف الثاني للمتظاهرين هو الرئيس المؤقت الجديد، عبد القادر بن صالح، الذي كان من الموالين لبوتفليقة.
وكان بن صالح قد تعهد بقيادة الجزائر نحو انتخابات حرة في الرابع من يوليو/تموز المقبل. ويعتقد البعض أنه سيستمر مدة أطول.
يقول مهدي فلوسي، رجل أعمال شاب يرتدي ملابس أنيقة وناشط في الاحتجاجات، إن بقي بن صالح وبقية الحرس القديم في أماكنهم، فلن تكون هناك أي فرصة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، مشيرا إلى أنهم خدعوا في الماضي، وسوف يخدعون مرة أخرى.
وأضاف: “الأمر أشبه بشخص كان يسرق طوال عشرين عاما ماضية، وكان يخدع طوال عشرين عاما ماضية، ثم يأتي يقول لك (ثق بي من فضلك، سأكون لطيفا وسوف أنظّم انتخابات حرة) الجميع يعرفون أنهم سيخدعون مرة أخرى”.
وردا على سؤال بشأن مدى تأكده من ذلك، أجاب : “99.99 في المئة”.
رأى المتظاهرون قوتهم في العدد. لكن البعض مستعد لتحدي النظام بمفردهم. وهي حالة تجسدها نيسا عماد، سيدة مسنة ضعيفة، وجدناها تواجه صفا طويلا من شرطة مكافحة الشغب التي تسعى لمنعها من الانضمام للمظاهرات.
قالت: “قلت لهم إنها بلدي. لقد تحررنا. نحن هنا في (ساحة) البريد المركزي طوال الوقت، الحمد لله. قضيت الليل هنا، أنا سيدة مسنة. أنا هنا من أجل الشباب، من أجل أبنائي”.لدى نيسا خمسة أبناء يعانون من البطالة مثل كثيرين من الشباب في الجزائر.
قالت: “لا يوجد شيء لجيل الشباب. لا توجد وظائف ولا منازل. لا يستطيعون الزواج. نريد أن يرحل هذا النظام برمته “.
يأتي كثيرون إلى الاحتجاجات وهم يرتدون العلم الجزائري الأحمر والأخضر والأبيض كما لو كان درعا. بيد أن ربيعة الفروخي، التي رسمت ألوان العلم على وجهها، تختلف. إذ تعيش في الخارج وجاءت لحضور جنازة أسرية، ثم انضمت للاحتجاجات الحاشدة.
وقالت: “أنا سعيدة جدا لوجودي هنا مع عائلتي في مسيرة من أجل الديمقراطية، لإيقاف هذه الحكومة الفاسدة ومحاولة إعطاء الشباب فرصة للمستقبل، صبر الناس جدا لمدة 20 عاما ولكن الآن نفد الصبر”.
والسؤال: إلى أي مدى سوف يُسمح بمضي المتظاهرين؟ يعتمد ذلك على الجيش الجزائري القوي. وكان رئيس الأركان، أحمد قايد صالح، قد تعهد بدعم المتظاهرين.
تسير الأمور على نحو جيد حتى الآن، لكنه حذر مؤخرا من أنه “سيكون من غير المعقول إدارة الفترة الانتقالية بدون مؤسسات”. وهو تصريح اعتبره البعض إشارة إلى الإبقاء على الوضع الراهن.يقول المحامي الحقوقي مصطفى بوشاشي إن هذا التصريح كان “مقلقا إلى حد ما”، بيد أنه يعتقد أن الجيش سوف يجاري المتظاهرين لتمسكهم بموقفهم.
وأضاف: “أعتقد أنهم سوف يراجعون الموقف. إنها مسيرة تاريخ. أعتقد أن الجزائريين مصممون على عدم السماح لمؤسسة أو شخص بأن يمنعهم من الوصول إلى الديمقراطية”.
ويتطلع الكثير من المحتجين إلى أن يساعد هذا السياسي المخضرم في إدارة الفترة الانتقالية في الجزائر.
وأشاد بأولئك الذين خرجوا إلى الشوارع والدموع في عينيه قائلا: “لقد منحونا الكرامة مرة أخرى. كافحنا وسعينا إلى أن نصنع شيئا. ولم ننجح. هؤلاء الشباب هم الذين قدموا لنا هذا الشعور بالفخر كجزائريين”.
ويشارك في هذا الفخر بالشباب الزوجان، كريمة وناصر، إذ أصبح نداء الحرية موسيقى الحياة اليومية. وقالت كريمة، التي تعمل معلمة: “بالنسبة للشباب إنها لقطتهم. وعليهم التقاطها”.
وقال ناصر وهو يبتسم إن هتافات الحشد توقظه ليلا.
سألته إن كان يعتقد أنهم سينجحون، أجاب “نأمل ذلك”.
” BBC “