الشيب المبكر… ظاهرة فسيولوجية متعددة الأسباب
العالم الآن – إحدى حقائق الحياة هي أن من الطبيعي تغير لون الشعر مع تقدم العمر نحو البياض أو اللون الرمادي، أو ما يُعرف بـ«الشيب». وظهور الشعر الأبيض يمثل للكثيرين نقطة مفصلية في نظرتهم لمدى تقدمهم في العمر، لأن لون الشعر الطبيعي، إضافة إلى طوله وطريقة قوامه المتموج أو المُجعد، كلها تشكل عناصر في غاية الأهمية لشكل مظهر الإنسان ومدى ثقته بشبابه وحيويته.
ولكن البعض قد لا يُدرك أن تلك الشعرات البيضاء يمكن أن تظهر في أي وقت تقريباً من عمر الإنسان، وحتى عند المراهقين والأشخاص في العشرينات من العمر قد يلاحظون أن لديهم خيوطاً من الشعر الأبيض.
ولذا ثمة ثلاثة أسئلة: كيف تتم عملية صباغة الشعر الطبيعي، وما الذي يجعل تلك العملية تختل ويظهر الشيب في الحالات المختلفة، وما أنواع الشيب في الشعر؟
أنواع الشيب
المراجعات الطبية لحالات تغير لون الشعر نحو اللون الأبيض أو الرمادي، نظرت في الظروف المرتبطة بحصول هذه الحالة ومدى دوام ذلك التغير في اللون الطبيعي للشعر، ولاحظت أنه يُمكن تقسيم حالات الشيب إلى ثلاثة أنواع رئيسية، وهي:
• الحالة الأولى: الشيب المرافق للتقدم في العمرSenile Canitie. وهي حالة متوقعة يحصل فيها تغير دائم للون الشعر نحو اللون الطبيعي للشعر الذي تنتجه بصيلة الشعر بالأصل، أي دون إضافة الصبغة الطبيعية إليه أثناء إنتاج الشعر داخل بصيلة الشعر وقبل مغادرتها إلى ما فوق سطح الجلد. وهو ما سيأتي توضيح جوانب منه. وظهور شيب الشعر هذا يُعتبر ظاهرة فسيولوجية متوقعة مع التقدم في السن. وهناك حول هذا الأمر معادلة طبية تعتمد مبدأ ٥٠ مع ٥٠ مع ٥٠، أي أن ببلوغ المرء سن الخمسين، فإن الشيب سيغطي خمسين في المائة من الشعرات في رؤوس خمسين في المائة من الناس.
• الحالة الثانية: «الشيب المبكر للشعر» Premature Greying Of Hair. وهي حالة يتغير فيها لون الشعر نحو البياض بطريقة غير متوقعة، وفي مرحلة مبكّرة من العمر. ووفق التعريف الطبي لحالة «الشيب المبكّر للشعر»، يختلف وقت ظهور هذا النوع من البياض في الشعر باختلاف الجينات الوراثية للعرق الذي يتحدر الشخص منه.
وللتوضيح، فإن لدى ذوي البشرة البيضاء، تُصنف حالة بياض الشعر كـ «شيب مبكر» حينما يبدأ ظهور الشعر الأبيض قبل بلوغ عمر ٢٠ سنة. أما عند ظهور الشيب بعد بلوغ هذا السن، فإنه لا يُطلق على هذه الحالة بأنها «شيب مبكّر». ولدى ذوي الأصول الآسيوية، يُصنف الوضع كشيب مبكر حينما يبدأ ظهور الشعر الأبيض قبل بلوغ عمر ٢٥ سنة. أما لدى ذوي الأصول الأفريقية فإن الشيب المبكر هو ذلك البياض في الشعر الذي يظهر قبل بلوغ عمر ٣٠ سنة.
• الحالة الثالثة: «انخفاض صبغ الشعر القابل للتعديل» Reversible Hypopigmentation Of Hair. وفيها يحصل تغير في اللون الطبيعي للشعر بشكل غير طبيعي وبصفة غير دائمة في الغالب، وذلك تحت تأثير عوامل وأسباب متعددة تُؤدي إلى حصول ذلك الشيب في الشعر. ومن تلك الأسباب أو الظروف أو العوامل: التدخين، وحصول عمليات الالتهابات في الجسم، والتعرض للأشعة فوق البنفسجية، والتعرض لعدد من أنواع المواد الكيميائية وكسل الغدة الدرقية. هذا بالإضافة إلى عدد من العوامل الغذائية، مثل نقص فيتامين بي – ١٢ ونقص فيتامين «دي»، ونقص الحديد ونقص النحاس ونقص الكالسيوم في الجسم، ونقص التغذية بالبروتينات. ولكن ثمة عدم اتفاق بين الباحثين الطبيين حول دور توتر الضغوطات النفسية في ظهور بياض الشعر.
مكونات الشعرة
ولفهم كيفية حصول الشيب في الحالات المختلفة، أي في كل من حالات: الشيب المتوقع مع التقدم في العمر، والشيب المبكر، والشيب الناجم عن أسباب يُمكن التغلب عليها، فإنه يجدر فهم عدة أمور عن مراحل تكوين الشعرة الطبيعية. وبتحليل مكونات الشعرة الطبيعية، نجد أنها تحتوي على ثلاثة عناصر رئيسية، وهي: حزمات من البروتينات التي تم تشكيلها على هيئة ألياف، وخلايا جلدية ميتة، وعدد من العناصر الكيميائية.
وبالنظر إلى قوام الشعرة، نجد أنها تنقسم إلى جزأين، أحدهما جزء داخلي مغروز تحت الجلد ضمن مكونات «بصيلة الشعر»Hair Follicle، أي أنه جزء حي ينمو ويتشكل. وجزء آخر فوق سطح الجلد، يسمى «عمود الشعرة» Hair Shaft، وهو جزء ميت لا ينمو.
وبالتشريح المقطعي لعمود الشعرة، نجد أن ثمة ثلاث طبقات. الأولى طبقة تُسمى «الإهاب الخارجي»Cuticle، المكونة من طبقات لصفائح رقيقة متداخلة من الخلايا الجلدية الميتة التي لا لون لها. والطبقة الثالثة الداخلية للشعرة هي تجويف النخاع Medulla. وفيما بينهما هناك الطبقة الثانية التي هي «القشرة» Cortexالمتوسطة. وتتكون القشرة من ألياف الكيرياتين البروتينية ذات اللون الأصفر الفاتح جداً أو الأبيض، وهي بروتينات تنتجها خلايا متخصصة بهذا الأمر في بصيلة الشعر تسمىFollicular Keratinocytes. ولكل خمس خلايا منتجة لألياف بروتينات الشعر هناك خلية واحدة مرافقة متخصصة في إنتاج مواد لصبغ الشعر، وتسمىFollicular Melanocytes.
ومواد الصبغ هذه معروفة باسم «ميلانين»Melanin. وما يحصل بشكل طبيعي هو التالي: تعمل خلايا إنتاج صبغة ميلانين على إنتاج تلك الصبغات، ثم يتم نقل الصبغات تلك إلى خلايا إنتاج بروتينات الشعر. وأثناء عمل خلايا إنتاج بروتينات الشعر على تكوين ألياف الكيرياتين البروتينية تعمل أيضاً على بثّ مواد الصبغة داخل ألياف الكيرياتين البروتينية للشعرة وهي في بصيلة الشعرة، أي وهي تحت الجلد، لتعطي الشعرة أحد أنواع الألوان المختلفة للشعر الطبيعي.
وللتوضيح، ففي داخل بصيلة الشعرة يكون لون الشعر في بداية تكوينه هو اللون الأبيض أو الأصفر الباهت، لأن هذا هو اللون الطبيعي لبروتينات الكيرياتين. ثم تبدأ خلايا متخصصة في بصيلة الشعر بتكوين مجموعة من أنواع حبيبات صبغة الميلانين التي يتم توزيع نسبة زرعها في داخل الألياف البروتينية للشعر قبل ظهورها فوق سطح الجلد. ولذا فإن الأشخاص الذين يتدرج لون شعرهم من الأسود إلى البني يترسب في شعرهم بشكل رئيسي نوع إيوميلانين Eumelaninمن الميلانين. أما الأشخاص الذين يتدرج لون شعرهم من الأحمر إلى البرتقالي- البني فإن في شعرهم تترسب فيها بشكل رئيسي نوعية فايوميلانين Phaeomelaninمن الميلانين. وذوي الشعر الأشقر توجد في شعرهم كميات ضئيلة من صبغة إيوميلانين. وأما الشعر الأبيض أو الرمادي، فهو شعر خالي تماماً من أي نوع من أنواع صبغات الميلانين.
وعليه، فإن تكوين لون الشعر Melanogenesisيختلف بين الناس بناء على كيفية وجود صبغات الميلانين داخل طبقة «قشرة الشعرة»، وطريقة توزيعها، وأنواعها. وهذا الأمر تتحكم فيه بدرجة رئيسية الجينات الوراثية. وتشير المصادر الطبية إلى أن نشاط الخلايا المنتجة للصبغات يكون قوياً في مراحل السن المبكرة، ما يؤدي إلى إنتاج شعر مفعم باللون الطبيعي لأي إنسان. ثم يدب الكسل فيها، وربما يتلاشى وجود تلك الخلايا في بصيلات الشعر، لنصل مع التقدم في العمر إلى حالة يتم فيها نمو شعر خالي من اللون، أي أبيض.
والآلية المرضية السببية Etiopathogenesisلحصول الشيب المبكر لا تزال غير واضحة لدى الباحثين الطبيين، رغم كثافة البحث العلمي في هذا الجانب. ولكن تلاحظ نتائج الدراسات الطبية حول هذا الأمر أن للوراثة دور رئيسي، وأن ذلك يجري بطريقة العامل الوراثي المسيطر Autosomal Dominant. كما أن ثمة دور مهم لحالات اضطرابات مناعة الجسم Autoimmune Diseasesوالأمراض ذات الصلة بها.
الشرق الاوسط