أزمة المهاجرين: مهاجر صومالي يضرم النار في نفسه في ليبيا
العالم الآن – بعد معاناة استمرت سنتين اشتملت على التنقل بين ثلاث دول، وبعد أن بيع واشتري من قبل مهربي البشر وبعد أن نجا من الغرق عندما نفد وقود الزورق الذي كان يستقله لعبور البحر المتوسط، فقد محمد الأمل.
وتتذكر زوجته ليلى البالغة من العمر 21 سنة اليوم الذي قرر فيه وضع نهاية لحياته وأضرم في نفسه النار بعد أن سمع بأن اسميهما غير موجودين في قوائم اللاجئين التي تعدها الأمم المتحدة.
كان من المفترض أن يجلى الزوجان من معسكر اعتقال طريق السكة – الذي تديره احدى الميليشيات الموالية للحكومة الليبية المعترف بها دوليا – الكائن في العاصمة طرابلس، والذي توفر فيه الأمم المتحدة مساعدات انسانيية للمهاجرين وطالبي اللجوء.
(لقد غير اسما الزوجين للحفاظ على سلامة ليلى)
“قيل لنا إن دورنا في مغادرة المعسكر سيكون التالي، ولذا فعندما صدرت القائمة الجديدة، طلب محمد مني أن أذهب واتأكد من أن اسمينا مدرجان فيها. ولكن اسمينا لم يكونا ضمن القائمة، وكان عليّ أن أخبره بأننا قد استثنينا مرة أخرى”.
العديد من الذين جاءوا إلى المعسكر بعدنا كانوا قد غادروا. أصيب محمد بالاحباط والحيرة. ما حدث حدث قبل صلاة العصر بقليل. شاهدت محمد. كان جسده محروقا. وقيل لي إنه سكب البنزين على نفسه ثم أضرم بنفسه النار”.
“اجلاؤهما كان مقررا”
تقول ليلى إن ظروف العيش في معسكر طريق السكة – وهو واحد من 12 معسكرا مماثلا تقع في غربي ليبيا وتديرها اسميا الحكومة الليبية – مزرية للغاية.
وتقول “كنت حبيسة غرفة صغيرة مع 50 امرأة أخرى، وكان لدينا دلو واحد لقضاء حاجاتنا”.
وقالت لبي بي سي “كنا نأكل بالكاد، ولم يكن هناك ما يكفي من ماء الشرب. العديد من النزيلات كنّ يعانين من مرض السل، وماتت بعضهن في حضني. تعرضت للضرب والتعذيب بالتيار الكهربائي”.
وقالت إن محمدا توفي في المستشفى في وقت لاحق.
وقالت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لبي بي سي إن ممثلين أمميين زاروا معسكر الاعتقال المذكور في اليوم الذي توفي فيه محمد، ولكن موته لم يكن له علاقة بتلك الزيارة.
وقالت المفوضية “كان من المقرر اجلاء طالب اللجوء المتوفى وزوجته في الشهر المقبل”.
وتنفي مفوضية اللاجئين الأممية أن يكون عملها في مركز اعتقال طريق السكة يشرعن ما يجري فيه، وتصر على أنها تساعد في تحسين ظروف العيش في المعسكر. ولكن هناك من عاملي الاغاثة مَن يطعن في ذلك، وقد توقفت منظمتان من منظمات الاغاثة عن التعاون مع المفوضية بالفعل.
وكان الزوجان محمد وليلى قد فرا من مسلحي تنظيم الشباب الاسلامي في الصومال في عام 2016، ولكن انتهى بهما الحال في أيدي عصابات تهريب البشر في ليبيا.
بعد وقوع مواجهة بالأسلحة النارية في بلدة بني وليد – التي تعرف بعاصمة تهريب البشر في الغرب الليبي – بين عصابتين لتهريب البشر، هرب الزوجان وتمكنا من ركوب زورق مطاطي مع 140 مهاجرا آخر في محاولة لعبور البحر المتوسط.
ولكن الوقود نفد في الزورق، وأجبرت قوات خفر السواحل الليبية الممولة والمدعومة من جانب الاتحاد الأوروبي المهاجرين على العودة إلى طرابلس حيث كان في استقبالهم موظفون أمميون، ثم نقلوا بشاحنات عسكرية إلى مركز الاعتقال.
“تواطؤ” قوات خفر السواحل الليبية
كما تتعرض مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، المكلفة بحماية اللاجئين، وشقيقتها منظمة الهجرة الدولية، لانتقادات من لدن العديد من العاملين في المنظمات الانسانية ومن اللاجئين أنفسهم بالتعاون مع قوات خفر السواحل الليبية المتهمة بانتهاك حقوق الانسان أثناء بعض عمليات الانقاذ البحري التي تقوم بها.
يذكر أن مفوضية اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية تديران ومنذ عام 2015 ورشات عمل لخفر السواحل وتزوده بالمعدات. وكانت قوات خفر السواحل الليبية قد اعترضت أكثر من 15,000 مهاجر في مياه البحر المتوسط في العام الماضي وأعادتهم إلى ليبيا.
ويقول البعض إن هذا التعاون الدولي مع قوات خفر السواحل يطعن في حيادية الهيئتين الدوليتين.
وقال أحد العاملين في قطاع المساعدات الانسانية “تتعاون الهيئتان مع الاتحاد الأوروبي من أجل إبعاد مشكلة المهاجرين عن أوروبا”، مضيفا “هذا هو هدف الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأوروبية، واعتقد أن هاتين الهيئتين (مفوضية اللاجئين ومنظمة الهجرة) تنفذان هذه الهدف على أرض الواقع”.
يذكر أن نحو 800 ألف مهاجر و50 ألف لاجئ مسجل يقيمون الآن في ليبيا. وشدد الاتحاد الأوروبي في الوقت نفسه اجراءاته الهادفة لمنع المهاجرين من عبور البحر المتوسط.
ففي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019، تمكن حوالي 15,900 لاجئ ومهاجر من الوصول إلى أوروبا عن طريق البحر المتوسط، مما يمثل نقصانا قدره 17 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2018.
وقال الاتحاد الأوروبي في بيان أصدره بهذا الصدد إنه “لا يسعى للوقوف في وجه حركة الهجرة على النطاق العالمي، ولكنه يعمل بالتعاون مع الشركاء الدوليين لادارة عملية الهجرة الدولية وحماية حقوق المهاجرين ومنع الرحلات الخطرة التي يستغلها مهربو البشر وضمان وجود مجالات وفرص شرعية وطرق هجرة آمنة”.
ومضى البيان للقول “ينبغي التصدي لظاهرة الهجرة من خلال عدة قنوات وبروح جماعية. ففي الحالة الليبية، يعمل الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع شركائه الموجودين على الأرض، بما فيهم الهيئات الدولية كمفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومنظمة الهجرة الدولية”.
ولكن جوليان رايكمان، رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود في ليبيا، يقول إنه لا ينبغي أن يعاد المهاجرون إلى ليبيا، ويضيف “انه في الحقيقة أمر غير مشروع بالمرة، وهذا هو الأمر الذي لا نتمكن من فهمه. فنحن نقول إن ليبيا ليست ملاذا آمنا”.
ولكن مفوضية اللاجئين ومنظمة الهجرة تقولان إنهما إنما تعملان لأجل انقاذ حياة المهاجرين. فقد قالت منظمة الهجرة الدولية لبي بي سي “تصرفنا في مصلحة المهاجرين وليس لمصلحة قوات خفر السواحل. نطالب وبقوة بألا يعتقل المهاجرون الذين يعادون إلى البر الليبي من قبل قوات خفر السواحل الليبية اعتباطيا بل ونطالب بألا يعتقلوا أساسا. يدخل موظفونا إلى معسكرات الاعتقال هذه بشكل يومي في سعيهم لمساعدة المهاجرين”.
“مساعدة” الميليشيات
تقول مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن وجودها في الموانئ التي تعيد إليها قوات خفر السواحل الليبية المهاجرين الذين تعترضهم أمر مهم، لأنه سيكون بإمكانها تسجيلهم ومد يد المساعدة لهم.
وقال جان بول كافاليري، مدير عمليات المفوضية في ليبيا لبي بي سي “لا اعتقد أن الوجود في موانئ الاعادة يعد مشاركة في آليات اجرامية”.
ولكن منتقدين، بمن فيهم موظفون سابقون لدى المفوضية، يشعرون بأن مجرد وجودهم يشرعن الاعادة غير المشروعة للمهاجرين إلى ليبيا ونقلهم إلى معسكرات الاعتقال.
وبهذا الصدد تقول جوليا ترانشينا، وهي محامية سبق لها أن دافعت عن مهاجرين عالقين في ليبيا، “المهاجرون مثل ليلى معرضون لمخاطر التعرض للتعذيب وللاعتداء من قبل حرس مدمنين على المخدرات، حرس سكارى في الليل يعتدون على المهاجرين ويضربونهم دون وازع، حرس يقررون عمدا تجويعهم لاسابيع”.
ويقال إن مراكز الاعتقال هذه تشبه السجون وهي عبارة عن فرص للميليشيات للارتزاق.
ويعترف مدير بعثة مفوضية اللاجئين في ليبيا بذلك، ويقول “معسكرات الاعتقال هذه، أو بعضها على الأقل، تعمل بموجب نظام يشارك فيه المهربون ويحصل فيها أحيانا عمالة قسرية”.
وقال إن عمل المفوضية في هذه المعسكرات لا يشرعنها، لأنها ستكون موجودة في كل الأحوال. ولكن المفوضية تمنع بيع المهاجرين لمهربي البشر عن طريق تسجيلهم”.
ولكن ثمة شهودا قالوا لبي بي سي إن العديد من المهاجرين لا يسجلون بتاتا.
منظمة “تعوزها الكفاءة”
يذكر أن الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات غير الحكومية ترى أن ليبيا بيئة صعبة للعمل، فالحكومة الليبية في طرابلس لا تعترف أصلا بمفوضية اللاجئين.
ومنذ الاطاحة بالعقيد معمر القذافي في عام 2011 ومقتله تحولت البلاد بأسرها إلى ساحة حرب تتقاتل فيها ميليشيات متعددة من أجل السيطرة عليها. ولا تتمتع الحكومة الليبية التي تعترف بها الأمم المتحدة، ومقرها طرابلس، بالكثير من السلطة بل تعتمد على فئات مسلحة متعددة من أجل التصدي لحكومة موازية مقرها في الشرق ويقودها المشير المتمرد خليفة حفتر.
وكشفت أضابير من الوثائق الشخصية والمراسلات لم تنشر في السابق سلمت لبي بي سي من قبل مصادر متعددة تخبط مفوضية اللاجئين في عملها وخصوصا فيما يتعلق بتعاملها مع غيرها من المنظمات غير الحكومية.
وقال أحد الموظفين في حقل المساعدات الانسانية سبق له أن عمل مع المفوضية في ليبيا “لم يسبق لي أن شاهدت هذا القدر من انعدام الكفاءة
أنفق الاتحاد الأوروبي منذ عام 2014 نحو 338 مليون يورو على مشاريع في ليبيا يقول إنها ستساعد المهاجرين من أمثال محمد وليلى، وذلك من خلال تمويل نشاطات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.
ولكن تحقيقا في نشاطات مفوضية اللاجئين أجرته الأمم المتحدة نشرت نتائجه في آذار / مارس الماضي كشف عن وجود اخفاقات عديدة تتعلق بتقدير كميات المساعدات المطلوبة واخفاقات فيما يخص التحقق من وصول هذه المساعدات الى مستحقيها.
وكشف التحقيق أن مبلغا قدره 2,9 مليون دولار قد انفق لشراء مساعدات لم تسلم. كما توصل التحقيق إلى أن عمليات طرح العطاءات تفتقر للشفافية وتساءل عن السبب في ابرام العقود بالدولارات الأمريكية بدلا عن العملة المحلية.
وتظهر أدلة موثقة سلمت لبي بي سي أن المانحين أحيطوا علما بهذه النواقص منذ عام 2018.
وفي حزيران / يونيو، جاء في رسالة الكترونية سرب محتواها لبي بي سي ومعنونة إلى مسؤولين في الاتحاد الاوروبي ودبلوماسيين أن الظروف السائدة في معسكر الاعتقال في بلدة الخمس الواقعة إلى الشرق من طرابلس متدهورة الى حد بعيد، وان المعسكر يشهد انتهاكات لحقوق الانسان واختفاءات لمهاجرين ، وتواطؤا بين حري المعسكر ومهربي البشر.
وأدى ذلك باثنتين من المنظمات غير الحكومية منهما الفيلق الطبي الدولي ( IMC) لتعليق عملهما في الخمس، وقالتا إن مفوضية اللاجئين ومنظمة الهجرة لم تتصديا للظروف المزرية السائدة هناك.
وفي كانون الأول / ديسمبر الماضي، تحملت مفوضية اللاجئين نفقات تشييد “منشأة للتجميع والمغادرة” مثيرة للجدل في طرابلس بكلفة 3,5 مليون دولار. وكان الاتحاد الأوروبي قد هلل لهذه المنشأة بوصفها “بديلا للاحتجاز” وخالية من الاساءات السائدة في معسكرات الاحتجاز الأخرى.
ولكن الوصول إلى المنشأة الجديدة مسيطر عليه من قبل وزارة الداخلية الليبية، ولا يتمتع المهاجرون القابعون فيها والذين ينتظرون نقلهم إلى النيجر المجاورة بحرية الحركة.
أما ليلى، فقد تمكنت من مغادرة معسكر طريق السكة. وقالت “قال لي أحد أفراد الجيش الليبي إن الله هو الذي قضى بموت محمد، ولذا فعليّ تقبل ذلك ونسيانه”.
“احتفظوا بي، في نفس المعتقل، لثلاثة شهور بعد مماته”.
وتقيم ليلى الآن في خيمة في معسكر تسفير تابع لمفوضية اللاجئين في النيجر.
وتقول إن العودة إلى الصومال يعد “حكما بالاعدام”، ولذا فهي ما زالت تشعر بالخوف ولا تعلم ماذا يخفي لها المستقبل وما سيكون مصيرها.
” BBC “