غابة في استاد للكرة تثير احتجاجات سياسية في النمسا
العالم الآن – توقع كلاوس ليتمان الكثير من الشكاوى إثر زراعته لعدد 299 شجرة – بعضها يصل إلى ارتفاع يقارب 15 متراً – في ملعب لكرة القدم في النمسا.
وفي اتصال هاتفي مع ليتمان قال إنه أراد من الناس الذين يشاهدون هذه الغابة الشجرية الكثيفة أن يفكروا في الآثار المدمرة التي جلبتها الإنسانية على أماكن غنية بالغابات مثل الأمازون. وأضاف أنه قد يأتي يوم على العالم تكون مجرد مشاهدة الأشجار من التجارب النادرة تماماً مثل الذهاب الآن إلى مباريات كرة القدم أو متابعة أحد الحيوانات في حديقة الحيوان.
وقال إنه أدرك انزعاج بعض خبراء البيئة بسبب نقل الأشجار رأساً من بلجيكا وإيطاليا وشمال ألمانيا، مضيفاً أن أسلوبه ربما يعد تقويضاً للرسالة البيئية الخضراء: «لكنني لم أظن أبداً أن ذلك سوف يحدث»، مشيراً إلى ما وقع من استغلال بعض الناس للأمر في صراعاتهم السياسية.
افتتح مشروع ليتمان تحت عنوان «لأجل الغابة» في مدينة «كلاغينفورت» الصغيرة في ولاية كارينثيا النمساوية الجنوبية في الثامن من سبتمبر (أيلول) الجاري، في وقت استعدادات النمسا للانتخابات الوطنية المقبلة المقرر انعقادها اعتباراً من اليوم الأحد. والآن، تحولت غابة الاستاد إلى ما يشبه الصدمة المفاجئة التي كانت بمثابة لطمة سياسية في منطقة كانت ذات يوم معقلا من معاقل حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف.
يقول المعارضون لمشروع «لأجل الغابة» إنه يعد إهدارا فجا لأموال دافعي الضرائب. (وقال السيد ليتمان إن تمويل المشروع كان من القطاع الخاص، لكن الحكومات الإقليمية قالت إن المؤسسات الممولة من الدولة قد ساهمت بإنفاق جزء من ميزانيتها الخاصة على فعاليات مماثلة). كما تلقى المشروع هجوما حادا آخر بسبب الاستعانة بالأشجار من خارج البلاد، بدلاً من الأشجار المحلية من ولاية كارينثيا، وللحيلولة دون استفادة فريق كرة القدم المحلي من الاستاد في إقامة المباريات المهمة.
قال ليتمان إنه أدى اليمين القانونية من قبل في الاجتماعات العامة، ثم تعرض للطرد إلى الشارع مجددا وطُلب منه العودة إلى سويسرا حيث يقيم.
كما خرجت مجموعة صغيرة من المتظاهرين من حزب تحالف مستقبل النمسا اليميني المتطرف خارج الاستاد ملوحين بسلسلة من آلات قطع الأخشاب فيما وصف بأنه «احتجاج ساخر» ضد المشروع.
بيد أن المعارضة الشعبية الرئيسية للمشروع جاءت من حزب الحرية ذي القاعدة الشعبية الكبيرة في ولاية كارينثيا الجنوبية، الذي كان زعيمه الأسبق «يورغ هايدر»، حاكما للولاية نفسها من قبل. هذا وقد لقي هايدر مصرعه في حادثة سيارة عام 2008، ولقد كان زعيماً سياسياً مفوهاً ومثقفاً وبارعاً في وسائل الإعلام، وتمكن من جذب الآراء المناهضة للهجرة والمناهضة للاتحاد الأوروبي إلى التيار السياسي السائد في النمسا.
وتعتبر المخاطر السياسية جدا كبيرة بالنسبة لحزب الحرية النمساوي في الانتخابات العامة المقبلة. فلقد تراجعت معدلات دعم الحزب في ولاية كارينثيا، معقله السابق، إثر نتائج الانتخابات السابقة في عام 2018، إذ حصل الحزب على أقل من ربع الأصوات حينذاك. كما أطيح بآخر حكومة ائتلافية في البلاد في شهر مايو (أيار) الماضي إثر بث شريط فيديو يظهر «كريستيان ستراش»، الزعيم الحالي للحزب ونائب مستشار البلاد في تلك الأثناء، وهو يعد بإسناد التعاقدات الحكومية في مقابل الدعم المالي من إحدى السيدات التي كان يعتقد أنها سيدة روسية من الأثرياء.
وقال «بيتر كايزر»، حاكم ولاية كارينثيا الجنوبية الحالي، والعضو في الحزب الاجتماعي الديمقراطي التابع لتيار يسار الوسط، في مقابلة هاتفية إنه لا يعتقد أن الهجمات التي تعرض لها مشروع «لأجل الغابة» كانت ناجحة أو مؤثرة: «يوما بعد يوم، شهدنا ما بين 3 و7 آلاف متفرج في الملعب نفسه».
وأضاف قائلاً أن المتظاهرين كانوا يهاجمون المشروع ويأملون من الأشخاص الذين يعارضون الموقف المناخي الدولي، ويعارضون السياسة الخضراء، ويعارضون الفنون، أن يصوتوا لصالح حزبهم في الانتخابات القادمة.
ونفى «غيرنوت دارمان»، رئيس حزب الحرية في ولاية كارينثيا، أن يعارض حزبه زراعة الأشجار نظراً لرسالة الحزب البيئية الواضحة. ولكنه أضاف في رسالة بالبريد الإلكتروني: «إن المشروع يخلف بصمة بيئية شديدة الروع والتدمير»، نظرا لأن الأشجار كلها مستوردة!
وأضاف دارمان قائلا: «من شأن مشروع كهذا أن يرجع بآثار بالغة النجاح في المدن الصناعية الكبرى ذات الهواء الملوث، وكذا في البلدان التي يجري فيها استغلال الغابات بصورة مفرطة من خلال تدميرها». وهناك أكثر من 60 في المائة من الأراضي في ولاية كارينثيا مغطاة بالغابات الكثيفة، وذلك وفقاً للمكتب الفيدرالي النمساوي لشؤون الغابات.
يقول ليتمان، إن نقل الأشجار قد أطلق ما يقارب 55 طناً من ثاني أكسيد الكربون، مما يعادل الانبعاثات الكربونية الصادرة عن مسافر واحد في رحلة واحدة للذهاب والعودة بين فيينا ونيويورك.
أضاف أن فكرة المشروع ترجع إلى 30 عاماً مضت، عندما كان يطالع لوحة للفنان النمساوي «ماكس بينتنر» تحمل عنوان «الجاذبية السرمدية للطبيعة». ويظهر من تلك اللوحة إحدى الغابات الكثيفة في وسط استاد رياضي مع المتفرجين مشدوهين تماماً من تلك الغابة التي تحيطها الملوثات الصناعية من كل اتجاه. وأضاف ليتمان قائلاً: «كنت غارقاً حتى أذني في عشق تلك اللوحة».
وحاول ليتمان تحويل اللوحة إلى واقع مشهود في سويسرا، وفرنسا، وألمانيا، ولكن جميع تلك المحاولات قوبلت بالفشل إثر رفض فرق كرة القدم السماح باستخدام الملاعب في ذلك. ولقد نجح أخيراً في مدينة «كلاغينفورت» النمساوية ذلك لأن فريق كرة القدم المحلي كان أداؤه سيئاً للغاية لدرجة الفشل في جذب المتفرجين لملء مقاعد الاستاد البالغ عددها 30 ألف مقعد، لذلك كانت السلطات المحلية في غاية السرور للسماح له باستخدامه.
– خدمة «نيويورك تايمز»