هل من حل سياسي لمشكلة المعلمين في الأردن ؟؟- د. غالب سعد – الأردن
العالم الآن – تعيش البلاد منذ أسابيع، حالة من القلق والإرتباك، بسبب إضراب المعلمين في المدارس الحكومية، وعددهم يقارب المئتي ألف، يطالبون بتحسين ظروفهم المعيشية، وترفض الحكومة الإستجابة لمطلبهم لعدم توفر الموارد اللازمة، لا اريد الخوض في التفاصيل الفنية للمشكلة، وقد أخذت نصيبها من الجدل في وسائل الإعلام والتواصل، ولكن سأتوقف عند استعصاء المشكلة واتجاهها نحو التفاقم، بعد أن أصر المعلمون على مطلبهم وازداد خطابهم حدة، وأوشك أن يلامس مواضيع تتجاوز المرتبات والوضع المعيشي، ويستقطب مواقف فئات ليس لها علاقة بالعملية التعليمية، من ناحية أخرى، فتح حراك المعلمين الباب لمن يريد الإستثمار في شيطنتهم واتهامهم بتعطيل العملية التعليمية وخدمة أجندات أخرى، وحين عجزت الحكومة عن تلبية مطلبهم أو اقناعهم بوجهة نظرها، لجأت الى المحكمة الإدارية، التي أخذت، بدون تأخير، قراراً بوقف الإضراب، وفتحت بذلك الباب لملاحقة المضربين إداريا وماليا، وربما قضائياً وأمنياً عند اللزوم، عند هذه النقطة سادت على الطرفين روح العناد والمغالبة، وأخرجت المشكلة من طابعها النقابي والإداري وحولتها الى أزمة سياسية غير محمودة العواقب، بعد أن عجز الطرفان عن حلها في حدود صلاحياتهما وامكانياتهما، فهل أصبح لا بد من تدخل وحل سياسي، قبل أن نقع في المحذور ؟؟
لا يخفى على أحد جذور التداخل بين ما هو نقابي وما هوسياسي، وفي هذه المشكلة بالذات، فشريحة المعلمين وعائلاتهم تمثل قرابة خمس المجتمع، وتمتد من خلال الطلاب والعملية التعليمية لتطال المجتمع بأكمله، مما يجعلها مشلة سياسية بامتياز، وهنا تكمن حساسية المعالجة وخطورة المغالبة والإستقواء وفرض حلول قهرية، قد توفر للبعض شعوراً بالنصر وحفظ ماء الوجه ، ولكنها في الحقيقة تزرع الألغام الموقوته في العملية التعليمية وفي المجتمع بشكل عام، فالعملية التعليمية، كما هو معروف، لا تحتمل التعطيل ولا التراخي ولا العبث، ولا تستقيم بالغبن وتحت الضغط النفسي أو المادية للمعلمين والطالب على السواء، ويمتد البعد السياسي للعملية التعليمية، من خلال أهميتها شكلاً ومضموناً للمجتمع والدولة، وبناء الأجيال وتجديد المعرفة بصفتها من أهم أدوات العمل والتنمية، والبناء التراكمي للشعوب والأمم، وإذا كان المعلم والظروف التي يعمل بها هو قوام العملية التعليمية، فهذا ينقل مشكلة المعلمين، الى موضوع العدالة الإجتماعية وعدالة توزيع الثروة والمكاسب في المجتمع بشكل عام، هذه اشكالية اجتماعية واقتصادية وسياسية وفلسفية يطول فيها الجدل، ولكن نكتفي بما هو متفق علية، ان التعليم ودور المعلم من أعمدة المجتمع والوطن، وهو ما يجب ان ينعكس عملياً على مكانته وظروف معيشية من ناحية، وعلى حجم مساهمته ونوعية عطائه ومساهمته من ناحية أخرى، وتشير تجارب الأمم المتقدمة ان نجاحها كان مرتبطاً بسياستها التعليمية وحسن اختيارها للمعلمين وتأهيلهم وانصافهم.
ربما ليس بمقدور وزير التعليم اجتراح المعجزات، وليس من صلاحياته توفير موارد اضافية لتلبية مطالب المعلمين، وان كان من واجبه ومسؤلياته ان ينقلها للحكومة ويدعمها بما يحقق لهم الرضا الوضيفي، اما رئيس الوزراء، الذي شائت الصدف أن كان لوقت قريب وزيراً للتعليم ويعرف ظروف المعلمين، فيفترض أن لديه من الصلاحيات الآن، ما يمكنه من البحث في زوايا الوزارات والهيئات والأنشطة والبرامج الخاضعة لولايته، عن وفورات وفروقات وموارد معطلة، من ضرائب متأخرة ومخالفات مستحقة وتجاوزات في النفقات والرواتب والمهمات والنثريات، ما يمكن توفيره وتقديمة للمعلمين، ليس من باب المنة او الصدقة أو الترضية، بل باستحقاق لا يقبل الجدل، ليس هذا فقط بحكم مسؤوليته الإدارية عن حسن سير مؤسسات الدولة بل بحكم مسؤوليته السياسية عن استقرار المجتمع والسلم الأهلي.
أما وقد تكون مشكلة المعلمين مثل كل المشاكل التي تعجز الحكومات المتعاقبة عن حلها، أو حتى الإقتراب منها، فليس للمواطنين معلمين وأولياء أمور وكل الحريصين على مصلحة الوطن، إلا إنتظار حل سياسي من خارج الصندوق، يقدمة قائد البلاد، بحكمته وخبرته، وهو الأحرص على تنفيس الإحتقان وتحقيق العدالة وجبر الخواطر وتجنيب البلاد المزيد من المطبات والعواصف، وهو يعلم ان فيها ما يكفيها.
السفير / غالب سعد
مدير المركز الإقليمي للتنمية المستدامة