“مسيرات العودة” الأسبوعية في قطاع غزة تتواصل من دون أمل حقيقي

0 237

العالم الآن – مع شروق شمس كل يوم جمعة، يجهز الشاب محمد حلس كوفية ومقلاعا، وبطاقة هويته للتعرف عليه في حال مقتله خلال احتجاجات “مسيرات العودة” المستمرة منذ أكثر منذ عام ونصف على طول حدود قطاع غزة المحاصر. يستيقظ محمد حلس الجمعة من نومه باكرا. يحتسي كأسا من الشاي الساخن، يرتدي ملابسه ويتوجه بصحبة شقيقه الأكبر زياد إلى مسجد قريب لأداء الصلاة.

وينطلق محمد وزياد عقب صلاة ظهر الجمعة مشيا على الأقدام نحو المنطقة الحدودية التي تبعد مئات الأمتار عن منزلهما في منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة.

وكان زياد الذي يعاني من ضعف شديد في السمع بسبب إصابة قديمة بقنبلة غاز، غادر للتو مستشفى الشفاء الذي يعالج فيه من إصابة جديدة برصاصة إسرائيلية في ساقه، ليشارك في الاحتجاجات. يتكئ على عكازين معدنيين، على أن يعود للمستشفى في المساء لاستكمال علاجه.

يقول محمد حلس (21 عاما) إنه لا ينام جيدا ليلة الجمعة. “أنا متحمس ليوم الجمعة، أفكر ماذا نريد أن نفعل”.

على الرغم من ذلك، لم يعد يؤمن أن هذه الاحتجاجات التي تلقى تشجيعا من حركة حماس ستحدث تغييرًا في سياسة إسرائيل تجاه غزة المحاصرة منذ عقد.

ويقول لوكالة فرانس برس “نريد فعل شيء أكبر ضد الجيش”، مضيفا “سأتوقف عن المشاركة قريبا، هم (الأمن التابع لحماس) يمنعون استخدام الأدوات الخشنة، بهذه الطريقة لن تحقق أي هدف”.

ومنذ آذار/مارس 2018، تشهد الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة تظاهرات أسبوعية تتخللها مواجهات يطالب المشاركون فيها برفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع وبحق العودة للاجئين الفلسطينيين الى الأراضي التي هجروا منها منذ العام 1948.

ومذاك، قتل 311 فلسطينياً على الأقل بنيران إسرائيلية، فيما قتل ثمانية إسرائيليين.

ومحمد واحد من بين عدد كبير من سكان غزة الذين باتوا يصفون الاحتجاجات بالروتينية.

ويقول “أنا محبط، فالمصابون بدون رعاية ولا علاج ولا مساعدات”.

– فقدان الأمل –

وتبدو أعداد المشاركين في تراجع مستمر.

وشهدت الاحتجاجات لدى انطلاقها مشاركة واسعة وقدرت أعداد المتظاهرين بعشرات الآلاف، لكن هذا الرقم تراجع إلى بضعة آلاف فقط.

كما يسجل تراجع في اهتمام الإعلام الدولي بالاحتجاجات في القطاع الذي شهد ثلاث حروب منذ عام 2008.

ويتشارك محمد وإخوته الأربعة غرفة نوم واحدة، وهي إحدى غرفتين في شقة العائلة، ومساحتها تسعون مترا مربعا، ويوجد فيها قليل من الأثاث القديم والمهترئ. وتعرض أفراد العائلة لنحو 15 إصابة بنيران الجيش الإسرائيلي منذ بدء الاحتجاجات.

ويعاني محمد وإخوته من البطالة التي تبلغ نسبتها حوالى 50 في المئة في القطاع، وغالبية العاطلين عن العمل من الشباب.

وتبرّر إسرائيل الحصار بضرورة عزل حركة حماس ومنعها من استقدام السلاح، لكن منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان تندد ب”عقاب جماعي” يطال حوالى مليوني شخص.

وتوصلت حماس في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي إلى اتفاق تهدئة غير رسمية مع إسرائيل مقابل تخفيف الحصار، ونتج عن ذلك تراجع في حدة العنف المصاحب للاحتجاجات.

ويقول محلل الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية طارق بقعوني إن الاحتجاجات “حققت تخفيفًا مؤقتًا للقيود الإسرائيلية، ولوقت طويل عادت غزة إلى دائرة الضوء، لكن لم يحصل تغيير كبير في قواعد اللعبة”.

ويضيف “مع ذلك شعر الناس أنهم أصبحوا أداة بيد لحماس التي أبقت على الاحتجاجات على +نار خفيفة+ ويمكن أن تصعد من جديد”.

بالنسبة لمحمد، فإن التوقف عن استخدام الأدوات “الخشنة” في الاحتجاجات ساهم في تراجع حجم المشاركة بالفعل وتضاؤل الأمل باستمرارها.

ويقصد محمد بـ “الأدوات الخشنة” البالونات المحملة بمواد حارقة أو متفجرة.

ووفقا لمحمد “الناس يريدون رؤية الانفجارات وحرق الإطارات وقص الأسلاك الشائكة وإطلاق البالونات الحارقة”.

ويرى البعض أن الاحتجاجات أصبحت بلا هدف.

– الاحتجاج مقابل الطعام –

في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر، قتل علاء حمدان (28 عاما) بنيران إسرائيلية.

ولدى وصول جثمانه إلى منزل العائلة لوداعه، صرخت إحدى قريباته وقالت أمام الكاميرات “حرام عليكم! المسيرات قتلتنا”.

وأضافت “لم يجد علاء طعاما ولا شرابا ولا عملا ولا حتى حياة، كل يوم يذهب ويتعرض للإصابة ويحصل على الطعام. إلى متى ستبقى حياتنا هكذا؟”.

ويرى بقعوني أن الاحتجاجات فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة والمتمثلة في رفع الحصار الإسرائيلي والسماح للناس بالعودة.

ويقول زياد (24 عاما)، شقيق محمد الذي أصيب ثماني مرات بالرصاص الإسرائيلي آخرها في ساقه، “طلب والدي مني عدم الذهاب. نحن خمسة نعيش في غرفة واحدة فوق بعضنا البعض”، مضيفا أن المشاركة في الاحتجاجات “نوع من التغيير الذي أحتاج إليه”.

ويقاطعه محمد مناقضا ذاته بعض الشيء “أريد أن أشارك حتى الموت، حلمي ضاع وانتهى، لا عمل ولا أمل في غزة”.
” ا ف ب “

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد