الانحطاط – سهير جرادات – الأردن

0 353

العالم الآن – بعد جهد وجدت مكانا للاصطفاف ، وما أن هممت بالنزول من السيارة، حتى جاءني صاحب المطعم الذي ركنت سيارتي أمامه ، ليطلب مني أن أترك باب رزقه مفتوحا، وبعد أن رأى على وجهي علامات اليأس ، بادر بقوله : إنت مطوله يختي ؟ أجبته” كل ما أحتاجه تناول ورقة فقط ، والأمر لا يتعدى ربع أو ثلث ساعة ، أجابني على الفور : الله ييسر أمرك مع ابتسامة جانبية لم أفهمها إلا بعد عودتي بثلاث ساعات .

بالتأكيد حرصت على دخول المطعم للاعتذار لصاحبه ، لعدم التزامي بالوعد ، وأن الأمر لم يكن بيدي ، ولم أنجز مهمتي ، ولم أستلم الورقة ، فورا بادر بالحديث ، وقال : “الله يسامحك كان خبرتيني ، حليتلك إياها” .

بادرت بالإجابة …لا ، الموضوع يتعلق بالملف ، ضايع ، أجاب : بسيطة بعشر ليرات بيطلع الملف ، والله يا أختي ،هنا في مطعمي هذا الصغير الذي تقفين به ، تُبرم أكبر اتفاقيات الفساد، ودفع الرشاوى ، “لذلك صار لي مونه عليهم ، وكان طلعنالك الملف حتى دون أن تدفعي ولا ليرة” ! !..

وفي طريق عودتي اضطررت إلى الاصطفاف المزدوج أمام أحد المحلات ، ونزلت مسرعة طالبة من صاحب المحل أن يُسرع في خدمتي ، حتى لا أتعرض لمخالفة سير ، فجاءت الإجابة الصادمة ، لا ما يهمك ، عنا !!!! عدت في اليوم التالي ، لإتمام معاملة في احدى المؤسسات ، ولدى استئذاني من المسؤول عن الموقف المخصص للموظفين للسماح لي بالدخول ، قال لي : واضح أنك لست موظفة هنا، واستطرد قائلا ، لو أنك موظفة كان سيارتك فارهة كما السيارات في هذا الموقف ، على الرغم من أن رواتب القطاع العام محدودة ، بل محدودة جدا مقارنة بنوعيات السيارات الموجودة في الموقف.

وهنا أتساءل ،منذ متى وصلنا إلى هذه الحالة من الانحطاط الأخلاقي ؟ ومن أوصلنا إلى حالة الانحدار هذه ؟!.ومن المسؤول ؟!.

ألستم أنتم يا حكومة بسوء إدارتكم ، استشرى الفساد الأخلاقي والإداري ، حتى اتسعت رقعة الجريمة والسرقة والاختلاس والرشوة ، بعد تفشي الواسطة والمحسوبية والغش والخداع، حتى ظهرت ممارسات الزعرنة والآتاوى والبلطجة ، وانتشرت ظاهرة (الكومشن)، ليحتل الأردن المرتبة السادسة عربيا بمؤشر تفشي الرشوة ،حسب تقرير التنافسية الصادر عن المتندى الاقتصادي العالمي.

ألستم أنتم من حرصتم على صهر الطبقة الوسطى في الأردن وانقراضها ؟حتى انقسمت البلد إلى طبقة أغنياء ينتمي لها كبار السياسيين الذين أصبحوا تجارا ، وطبقة فقراء ينتمي إليها غالبية الشعب من العسكر والموظفين والعمال والمزارعين .

أليس تدخلكم وفسادكم ، حولنا إلى مجتمع فاسد ؟حيث ظهر لدينا عدد كبير من المسؤولين الفاسدين ، منهم من تقدموا للمحاكمة، ووجهت لهم تهم بالفساد والسرقة والاختلاس واستغلال السلطة ، والاستثمار الوظيفي ، أليس فسادكم من أوصل نوابا فاسدين إلى البرلمان – باعتراف رئيس المخابرات المحكوم – وعينتم من خلال ممارسة فسادكم فاسدين في مواقع صنع القرار فافسدتم الناس والقرار.

ألستم المسؤولين عن تفشي البطالة وتراجع معدلات نمو التوظيف وتراجع الدخول ، وزيادة رقعة الفقر ، وسوء توزيع الدخل ، وارتفاع تكلفة المعيشة ،وغياب العدالة في توزيع الدخل بين شرائح المجتمع بصورة ادت الى تراجع ثقة المواطن بمؤسسات الدولة ؟

ألستم أنتم من أسأتم استخدام السلطة والصلاحيات لتحقيق مآربكم الشخصية والخاصة والتغني بالفساد واحترام الفاسدين ،ونعت الملتزم بالقيم ب ( الأهبل ) لعدم استغلاله لموقعه بشكل أو بآخر، مما كان له أثر في تغيير المفاهيم المجتمعية من خلال سعى الفاسدين إلى نشر مفاهيم جديدة في المجتمع؛ تلقى قبولا عند الموظفين في تسهيل تقبلهم للفساد بتلقي الرشوة على أنها لقاء خدمات ، وتحت بند ( حلوان ) ، بشكل لا يؤنب ضميرهم ان ظل عندهم بقايا ضمير.

هذا كله.. لا يعطي المواطن الذريعة في ممارسة الفساد ، ولا يعفيه من المسؤولية ، لكن يجب أن لا نغفل المسببات التي أدت بنا إلى هذا المستوى من الانحطاط في الأخلاق والقيم ، الذي علينا أن نعالج أسبابه .

سابقا ، هيئة مكافحة الفساد لم تكن مهمتها منع الفساد بسبب قانونها، والآن ، بعد تعديل قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد ، أصبح من صلب عملها استباق الحدث بمكافحة الفساد والحماية من وقوعه ومنعه، حتى وجدت نفسها غارقة في أكوام من ملفات الفساد في الأردن ، يمارس فيها الفساد الأصغر (الرشوة) التي تتم لقاء تقديم الخدمة العامة، وتؤثر سلبا في القيم الأردنية الايجابية، وتعطيل الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة للمواطن مقابل مبالغ مالية .

اليوم ، علینا أن نتحدث بصراحة، عن تفشي الفساد الأصغر( الرشوة ) في مؤسساتنا ، والتي تمارس في عشرين قطاعا لقاء تقديم الخدمة العامة، بحسب ما حددته هيئة النزاهة ومكافحة الفساد ، بدلا من ھذا الإنكار، والتباھي بأن الموظف العام لدینا لا یقبل الرشوة، مقارنة بدول عربیة .

على الحكومة فورا مكافحة الفساد الذي يقف خلف التعثر الاقتصادي ، وتردي الأوضاع المعيشية ، والتقيد بالقوانين والأنظمة واحترامها، ومحاربة الواسطة والمحسوبية التي تتغول على الحقوق ، وعليها تحقيق النزاهة والشفافية والمساواة والعدالة ، ومكافحة الفساد الإداري ، وتحديث القوانين لسد الثغرات التي تجيز الرشوة والفساد ، وإعادة النظر في رواتب القطاع العام ، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية للحد من الفساد .

على الحكومة فورا مكافحة الفساد الذي يقف خلف التعثر الإقتصادي ، وتردي الأوضاع المعيشية ، والتقيد بالقوانين والأنظمة واحترامها، ومحاربة الواسطة والمحسوبية التي تتغول على الحقوق ، وعليها تحقيق النزاهة والشفافية والمساواة والعدالة ، ومكافحة الفساد الإداري ، وتحديث القوانين لسد الثغرات التي تجيز الرشوة والفساد ، وإعادة النظر في رواتب القطاع العام ، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية للحد من الفساد .

علينا أن لا ننسى بأن الفساد يُسقط الحكم ، والدوله يفشلها غياب الديمقراطية.

[email protected]

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد