زيادة الانبعاثات الكربونية تتسبب في نقص أكسجين البحار وانقراض الأسماك
العالم الآن – كانت مظاهرة العاصمة الإسبانية بمثابة انفجار ضخم للمطالب المناخية التي كانت ترفعها المنظمات والهيئات المدنية، المحليّة والأجنبية، وتنديدها بتقاعس الحكومات في اتخاذ التدابير التي يدعو إليها الخبراء منذ سنوات، وتدعمها القرائن العلمية التي تحذّر من عواقب وخيمة، في حال عدم اتخاذها قبل فوات الأوان.
ذكر «الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة»، أمس (السبت)، في تقرير قدَّمه للمؤتمر العالمي لتغير المناخ في مدريد أن استنزاف الأكسجين في البحار يشكل تهديداً لمخزون الأسماك على نحو متزايد. وقال التقرير الذي يحمل عنوان «نقص الأكسجين في المحيطات: مشكلة الجميع»: «تتضرر نحو 700 من المناطق البحرية في مختلف أنحاء العالم» بسبب استنزاف الأكسجين. وذكر دان لافولي، وهو واحد من واضعي التقرير، أن التقرير يمثل دعوة للانتباه إزاء زيادة الانبعاثات الكربونية ونقص الأكسجين في المحيطات.
وتراجع الأكسجين في المحيطات يرجع لسببين رئيسيين، طبقاً للتقرير: الاحتباس الحراري والتلوث بمواد غذائية من الزراعة. وإذا ارتفعت درجات الحرارة في مياه البحر، يقل الأكسجين، كما أن تلوث المياه بمواد غذائية من مزارع الأسماك أو الأسمدة من الزراعة، لا سيما المناطق الساحلية، يؤدي إلى نمو الطحالب بشكل كبير، التي تستهلك الأكسجين.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنه يتعين على جميع الشركاء في الاتحاد الأوروبي الالتزام بحماية المناخ، إذا كانت القارة الأوروبية تريد أن تتولى دوراً ريادياً في هذا المجال. وقالت ميركل في رسالتها الأسبوعية المتلفزة عبر الإنترنت، أمس (السبت)، إن ألمانيا تعتزم المساهمة في جعل أوروبا أول قارة محايدة مناخياً. وأضافت ميركل: «يعني هذا بالطبع حتمية مشاركة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لكن لم يقرر جميع الأعضاء ذلك بعد». وقالت المستشارة الألمانية قبل القمة الأوروبية المقررة في بروكسل يوم الخميس المقبل: «أنا متحمسة للغاية لما تطرحه المفوضة الأوروبية أوروزلا فون دير لاين والمفوضية». ودعمت ميركل إعلان فون دير لاين أنها تنظر إلى المفوضية الأوروبية الجديدة على أنها مفوضية جيوسياسية، وقالت: «هذا يعني أن تأثيرنا لا بد أن يلعب دوراً خاصّاً في الخارج، وأننا نعتزم أن نكون نموذجاً للآخرين في مجالات محددة، مثل حماية المناخ».
وأعرب الدالاي لاما عن دعمه أيضاً للمتظاهرين، إذ كتب على موقع «تويتر» «لا يمكننا بعد اليوم استغلال موارد الأرض (…) من دون أن نهتم بالأجيال المقبلة. أدعم مظاهرات الشباب ضدّ تقاعس الحكومات أمام الأزمة المناخية».
وكان لافتاً في المظاهرة التي جابت وسط العاصمة الإسبانية أن عدد البالغين فيها كان يوازي تقريباً عدد الشباب، وقدّر المنظّمون عدد الذين شاركوا فيها بنصف مليون.
ومنذ وصول الناشطة المناخية السويدية غريتا تونبرغ إلى مدريد، صباح الجمعة الماضي، وانطلاق المظاهرة الحاشدة التي دعت إليها المنظمات المدنية والهيئات الطلابية والشعبية، انتقل مركز الاهتمام من المقرّ الذي تنعقد فيه قمّة المناخ إلى شوارع العاصمة الإسبانية وعشرات العواصم الأخرى، من سانتياغو في تشيلي إلى مكسيكو، ومن جوهانسبورغ إلى دلهي وجاكارتا، حيث خرج مئات الآلاف يطالبون الحكومات بإجراءات عاجلة وفاعلة لمنع حدوث الكارثة المناخية المعلنة.
وبينما تحدث المنظمون عن نصف مليون مشارك، حددت الشرطة الوطنية الرقم بنحو 15 ألفاً، ولم يكن هناك في بادئ الأمر أي تفسير لهذا التباين الكبير. وتحدثت وسائل إعلام إسبانية، أمس (السبت)، عن «حرب أرقام».
وقالت إنه إذا كان عددهم حقاً 500 ألف متظاهر، ستكون واحدة من أكبر مسيرات المناخ في العالم حتى الآن. ويجتمع الموقعون على «اتفاق باريس للمناخ» الهادف للحد من زيادة درجة حرارة الأرض عند درجتين أو 1.5 درجة مئوية، بدءاً من غدٍ (الاثنين)، في مدريد.
كما انتقلت غالبية وسائل الإعلام من المقر الرسمي الذي تجري فيه أعمال مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ إلى «القمّة الموازية»، التي تعقدها منظمات المجتمع المدني على هامش القمة الرسمية.
وفي مدريد، اضطرت الشرطة لإخراج تونبرغ من المظاهرة التي كانت تنطلق وسط المدينة، بعد أن تعذّر عليها مواصلة طريقها بين الجموع بسبب كثرة المحتشدين حولها من شباب وصحافيين.
وكانت تونبرغ، التي تحضر قمّة المناخ للمرة الثانية بعد القمّة الأخيرة التي انعقدت العام الماضي في بولندا، قد وجّهت انتقادات قاسية للمسؤولين قائلة إنهم «يتنصّلون من واجباتهم ويخونون الأمانة. متى سيدركون أن التغيّر المناخي هو الخطر الداهم الأكبر الذي يهدّد البشرّية ومستقبلها في كل أنحاء العالم؟ ماذا ينتظرون؟».
وفي نهاية المظاهرة ألقى الممثل الإسباني المعروف خافيير بارديم، الحائز على جائزة أوسكار، كلمة قال فيها: «لم يعد أمامنا سوى عشرة أعوام على أفضل تقدير لمنع وقوع الكارثة المناخية»، ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه «أحمق»، بسبب مواقفه من أزمة المناخ، وقراره سحب الولايات المتحدة من «اتفاقية باريس» الموقّعة في عام 2015، وتتضمّن التزامات الدول خفض انبعاثات غازات الدفيئة لوقف الارتفاع المطرد في درجة حرارة الكرة الأرضية. لكن بارديم عاد واعتذر في تغريدة على حسابه «تويتر»، صباح أمس (الأحد)، قائلاً: «لا محلّ للشتيمة في أي خطاب أو حديث، أعتذر عن هذا الاندفاع المفرط الذي يضرّ بالرسالة البنّاءة التي نريد إيصالها، والتي هي وحدها محور نشاطنا واهتمامنا». وأضاف أن «القرائن العلمية الدامغة حول تغيّر المناخ وتداعياته الكارثّية لم تعد تسمح لأي كان أن يتجاهلها، خصوصاً المسؤولين عن اتخاذ التدابير التي يمكن أن توقفها».
ويقول خبراء مشاركون في هذه القمّة التي تشكّل همزة وصل بين مرحلتين أساسيتَين في مسار الجهود الدولية لمعالجة أزمة تغيّر المناخ، التي ليس منتظراً أن تصدر عنها قرارات كبيرة، إنها يمكن أن تشكّل فرصة ذهبية لاتخاذ خطوات طموحة والالتزام ببرامج للحد من انبعاثات غازات الدفيئة.
ويفيد التقرير الذي قدّمته المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة الدنماركية إينغير أندرسون بأن كل الدراسات العلمية التي وضعتها مراكز البحوث والمنظمات الدولية المتخصصة تحذّر من أن «الخطط والاقتراحات التي تدرسها الحكومات في الوقت الحاضر، وتتفاوض استناداً إليها، ليست كافية لوقف الانحدار السريع نحو كارثة مناخية عالمية، ربما قبل نهاية العقد المقبل».
وكانت أندرسون قد تولّت في السابق منصب المدير العام لـ«الاتحاد الدولي لصون الطبيعة»، كما تولّت إدارة برامج بيئية كثيرة في «البنك الدولي» و«الأمم المتحدة».
وحذّرت في كلمتها أمام قمّة المناخ من أن «تكلفة الأضرار المرتقبة من الكارثة المناخية العالمية هي أقل بكثير من تكلفة التدابير التي من شأنها منع وقوعها».
” الشرق الاوسط”