كيف باع الإنسان إنسانيته؟! بقلم – مراد الزير
العالم الآن – في ظلِّ الأزمات اليومية، والعراك الأيديولوجي في شتى بلدان العالم، أصبح من الغريب مشاهدة مهاجر ينقذ طفلاً أو رجلاً أثناء حريق أو موت محقق، مما يجعلنا نرى بأن المهاجر قد حارب لأجل إنقاذ الآخر رغم أن هذه الخطوة ستكشف أمره باعتباره مهاجر غير شرعي، لكن إيمانه بإنسانيته هي التي جعلته يفعل ذلك، بينما نشاهد خلال الآونة الأخيرة حالات تنعدم فيها الإنسانية كالقرارات بحق لاجئي الحرب، وشتائم العنصرية على اللاعبين في الملاعب، والتطهير العرقي للأقليات والنظرات العنصرية كتعذيب الإيغور مثلاً ومن قبلهم الروهينغيا، ومطاردة المهاجرين غير الشرعيين الذين يبحثون عن مصدر الرزق، علاوةً على ذلك ضحايا سقوط الأنظمة الديكتاتورية وغيرها من انعدام الإنسانية.
كلُّ الأفعال والسلوكيات العنصرية هي من صنع الإنسان، رغم أنّ الإنسانية هي من صفته، والتي قد باعها، لأجل سيطرة الأصولية على فكره؛ كونها تفرز في كينونته الأحقية المطلقة، وهذا ما يؤكده الفرنسي روجيه غارودي بأن “كل الأصوليات خطر علينا إمّا معنا أو ضدنا كونها تظن بأنها تمتلك الحقيقة النهائية الكاملة المطلقة مثل الاختيار الإلهي وتحاسب البشر”، فالإنسان قد جرّد نفسه من الإنسانية لأجل اعتبار نفسه أفضل من الآخر، ومن هنا قد تنوع سلوكه غير الإنساني، كضرب الأقليات بالسوط وشتم الناس وحرمانهم من حقوقهم، على أن الإنسان في ظل تطوره قد اتبع كل صور الإهانة بحق الآخر، واستذكر هنا ما جاء بمدونة جوستنيان في الفقه الروماني من القرن السادس الميلادي بأن “الإهانة لا تنحصر بصورة الضرب باليد أو العصا أو السوط فقط؛ بل إن تجيبه إنسان وإيذاءه بالقول”، فالإهانة هي ليست مجرد ضرب بالسوط وإنما أيضاً بالقول والشتائم، ففي كلِّ يوم هنالك إهانة عنصرية بالقول، سواء لأجل الدين أو العرق أو اللون، والأدلة كثيرة في وسائل الإعلام وفي شبكات التواصل الاجتماعي والتي أصبحت سلوكاً فطرياً لدى الإنسان!
تؤلمنا العديدُ من المنشورات والصور ومقاطع الفيديو المنتشرة في شتى الوسائل بسبب العنصرية وانعدام الإنسانية، فكيف يُعقل بأن الإنسان يقوم بذلك؟! فهو يعذب الآخر، يقتله، يسفك دماءه، يشتمه، وكأنه ليس بإنسانٍ فإنسانيته مُباعة لأجل الظلم والفساد، بسبب ضغط الأنظمة كالتكنوقراطية والستالينية والمسيحية واليهودية والإسلامية على الإنسان بحسب توجهه، والتي تجعله أداة حرب وضغينة، وهو يستلذ بدوره بحق الآخر لأنه مُجرد من الإنسانية، وهذا الأمر بحاجة لدواء، حيث أشار ديورانت بكتابه “دروس التاريخ” إلى “أن دواء الكراهية والعداء هو بالتعاليم واسعة المدى” لهذا يجب أن يكون هناك توعية عالمية من أجل التخلص من السلوكيات المقلقة بحق الإنسانية، ومن الضرورة نشر المحبة، لتهذيب المنطلق الروحي للإنسان حيث يؤكد المؤرخ الكنسي جاروسلاف بيليكان “وجود دافع المحبة يمكن أن يُعبر عنه بعدة أشكال من الأخلاقيات”؛ لأن ما يتداول حالياً حول تعذيب الإيغور والشتائم على اللاعبين في الملاعب والقرارات بحق اللاجئين لمأساة كبيرة بحق الإنسانية.