من أبجديات الحياة ؛؛؛ (الجزء الأول) – د. عصمت حوسو – الأردن

0 494

 

العالم الآن – اعتدنا في اللغة استخدام كلمة “أبجدية” للدلالة على أساسيات الأشياء، انطلاقًا من الحروف الأبجدية في لغة (الضادّ) التي من خلالها نتحدث، ونخطّ بأحرفها كلماتنا، ونتواصل مع الآخرين بتركيباتها اللغوية.

وفي هذا المقال سنتحدث عن بعض من (أبجديات الحياة)، تلك التي تفتح الباب للتواصل الناجح مع الآخرين من خلالها، وعند إدراكها جيدًا وتطبيقها بجدارة، سنكتشف حينها أننا كنا نلهث قبلها وراء مصادر السعادة “المزيفة” لا الحقيقية، وأبجديات الحياة الواردة هنا ستعلّمنا أن (السعادة) تنبع من دواخلنا أولاً وآخرًا، وما تبقّى هي مصادر ثانوية، والدليل على كلامنا؛ لنأخذ نظرة حولنا على البعض ممن يملكون السلطة والمال الكثير، ولكنهم في ذات الوقت يفتقرون للسعادة، أتدرون لماذا؟! لأنهم ببساطة شديدة يجهلون “أبجديات الحياة” التي تفتح أبواب الراحة والسعادة والسلام الداخلي والنجاح على مصراعيها..

الأبجدية الأولى للحياة هي (الكرامة)، وهي فطرية في كل مخلوق بشري، وبما إنها “فطرية” لا بدّ من الاعتراف بأهميتها للإنسان في أقل تقدير، على الرغم أن الحيوانات لها كرامة أيضًا، والالتصاق بالكرامة يمنعنا من انتقاد الآخرين على مظهرهم بشكل سلبي وظالم؛ لأن من لديه الكرامة يرى نفسه في الآخر فلا يهينه. والكرامة كالشرف هي مرة واحدة في تاريخ الإنسان لا مرتين..

وأبجدية الحياة الثانية هي (العدل)، وهي رغبة دفينة فينا جميعًا، الفرق هو من يحصرها في كل ما يتعلق بشخصه، وهناك من ينتقيه لمزاجه ومصلحته، وأبجديات الحياة تؤكد أن “العدل الحقيقي” ما هو سوى ضمان حصول الفقراء والمحتاجين على ما نرنو له لأنفسنا؛ لأنها مسؤوليتنا جميعًا، وإن تطبيق العدل على الجميع دون انتقائية، والاعتناء بالفقراء، ومنحهم كل ما يحتاجونه، هو جوهر العدل الحقيقي، والمحدّد الرئيس للهوية الإنسانية وهوية “القيم العربية” الأصيلة، وهو ما يعطي الحياة معناها..

أما أبجدية الحياة الثالثة هي (الغفران)، وهو أعظم العطايا التي تمكّن الإنسان من إتقان ثقافة العطاء، إن كانت قدرته عالية، وهي الهدية الثمينة التي نمنحها لأنفسنا قبل منحها للآخر؛ لأن الإبقاء على مشاعر الغضب والعدوانية حيال من ظلمونا، تشبه تمامًا تناولنا السمّ وننتظر موتهم هم -أي الظلمة-، فهذه المشاعر السلبية تسمّم صاحبها ولا تنال من عدوّه، وتسمّم نظرته للحياة، وطريقة تعامله مع الآخرين، ونظرته للعالم كذلك، ولن تسمّم من ظلموه إطلاقًا، وتمسي تلك المشاعر بمثابة (الأسر) الذي يقبع صاحبها بين جدرانه السميكة، ولن يستطيع أحد إخراجه منه وإطلاق سراحه من ذلك السجن البارد جدًا سوى نفسه؛ لأنه ببساطة هو وحده من يملك مفاتيح أسرِه..

ونأتي الآن إلى أبجدية الحياة الرابعة وهي (التواضع)، وكثير من الناس لا يفهمها بمعناها الصحيح، أو بالأحرى لا يطبقونها بشكل صحيح، فالتواضع لا يعني إهانة الذات أمام من لا يقدّرها، ولا تعني أيضًا تفضيل الآخر على الذات إطلاقًا، فالتواضع في غير محلّه مذلّة، فأنت وإن أكرمتَ اللئيم به لا بدّ له أن يتمرّدا، فلا أنتَ قدّرت نفسك بذلك ولم تمنح التواضع لمن استحقّه كذلك.
أما التواضع الذي نعنيه هنا كأبجدية للحياة هو (سِمَة) يصعب تطبيقها بالنسبة للكثيرين إن لم يحسنوا فهمها ولم يحترفوا التعامل بها، فنحن جميعًا نفخر بهويتنا وبذواتنا وبجميع ما حققناه من إنجازات، وهذا الفخر شيء جميل إن لم يتسبّب في تضخّم (الأنا) وتورّمها، وما يحرف التواضع عن مساره المحترم هو رغبة الشخص في استعراض مدى قوته على الآخرين، ومدى تفوقه على غيره، على الرغم أن المشاعر الحقيقية وراء تلك الرغبة تكون بمثابة اعتراف من ذات الشخص في (انعدام الأمان) وغياب الثقة لديه، وكأنه يبحث عن اعتراف الآخرين بما ينطق به، وكأنه كذلك “يغتصب” اعترافهم بقيمة إنجازاته عنوة بعيدًا عن نفسه، وما أكثر من يفعلون ذلك اليوم للأسف الشديد.
وإن الإقدام على فعل هذا السلوك هو أشبه بزجّ النفس في سجن انفرادي أو زنزانة مقفرة، وتخيلوا بشاعة الوحدة التي يسجن ذلك الشخص نفسه بين جدرانها.
التواضع يكون سمة جميلة جدًا وأبجدية فخمة للحياة ونابعة من القلب عندما ننجح في التواصل مع الآخرين، والاعتراف أنهم يملكون نقاطًا إيجابية وأخرى سلبية مثلنا تمامًا، وعندما نعتبر الناس جميعًا متساوون، هذا فقط ما ينجّح تواصلنا مع الآخرين دون استثناء وبتواضع، وهذا ما يحرّرنا من فقاعة “الأنا” الفارغة التي تُنفّر الآخرين وتجعلهم يتجنّبون التواصل مع الشخص غير المتواضع، والأهم أن ممارسة التواضع بشكل صحيح يفتح باب القلب لمنح (الاهتمام) بالآخرين دون قيد أو شرط..

ونطرًا لأهمية أبجديات الحياة، ورغبة منا في إفادتكم، وعدم تشتيتكم من تعلّمها بإتقان وتطبيقها باحتراف، وحتى لا نطيل عليكم، ولا نشعركم بالملل، ونتأكد من قراءة جميع سطور هذا المقال، فقد فضّلنا أن نقسم أبجديات الحياة إلى جزئين..
نلقاكم في الجزء الثاني الأسبوع القادم بإذن الله لتكملة بقية الأبجديات الهامة التي تمكّننا من صناعة الحياة في حيواتنا… دمتم….
دة.عصمت حوسو

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد