العالم الآن – أتُدْرِكونَ معاني الفُقْد…!!
والرحيل دون عودة
دون التفاتة
لذكرى جمعتنا
دون وداع…
رحيلٌ بكبرياءٍ وعزّة…
متحدياً الخوفَ بنغمة…
سائراً على درب الجلجلة ببسمةٍ خاشعة…
لرحيله ذكرى العزف والعود وأجمل الألحان، ودندنة تحت المطر…
نصدح بكلمات (ضي القناديل…) نَرْقَب رذاذ المطر يتساقط علينا، وكلَّما اشتدَّ يعلو شدونا متحدياً (أنا لحبيبي وحبيبي إلي…).
تنساب الألحان لتُلامِسَ حدَّ السماء…
رحل نور تاركاً أرشيفاً من الجرائد وبعض الأشرطة الغنائية، وإسماً كان يخطٌه عند لقائي (سماح) لقّبني به بفرحٍ ليناديني صديقتي سماح.
يا لقسوتك صديقي، فغيابك حاضرٌ معي عند كلِّ معزوفة… عند كلِّ لقاءٍ بالرفاق…
عند أيّ أوانٍ وأيّ زمان…
يا لانصهارك المترسّخ في كلِّ أشيائنا متحديّاً الغياب والموت.
مدويّاً حضورك صديقي في زحمة المدن وأضوائها وفي ريف القرى ووديانها.
ذات مرّةٍ لفتُك ألّا تكون هدفاً سهلاً، لكن إصرارك اللافت بأن من مثلك لا يفيدهم تصفيته أو بقاءه.
أدركت صديقي صدق عباراتك…
أنت باقٍ برغم رحيلك بالجسد، ورغم اغتيالك الجسدي، فأنت مصدرٌ للخوف والقلق… حتى وأنت متكئٌ على كرسيّك الآلي…
خافوا فكرك المضيء والبنّاء الذي سبَّب الرعب والخوف والجبن…
الذكرى أليمة يا صديقي والبعد جريمة، وهموم الحياة أثقلت كاهلنا…
منذ رحيلك المبكر، أدركت معنى الوجع، وأناقة الحزن في الغياب…
كأننا كنّا في سباقٍ على بداية نهاية اللقاء…
يا لشراسة المخلوقات…
كيف لفوهة كاتم الصوت أن تتجرّأ على التصويب أمام صفاء عينيك وناظري أُمك…
لو أن الرصاص يملك لغة الكلام لاعتزل قتل الأبرياء، وتنحّى خجلاً أمام طُهْرِ قلبك وثبات عقلك…
كيف لي بنسيان كلّ هذه التفاصيل، وأنا عرفتُ قيمة الإنسان معك فعلاً لا قولاً…
أذكر في إحدى المرات عندما قمنا بزيارة لأحد الرفاق، تعرَّضنا وقتها للقدح والذّم من بعض (الشبيحة)… بادرت بكلّ ثقة وقلت:
لا عليكِ…
لا تخافي وإن كنتُ على كرسيٍّ آلي، لن يتجرّأ أحدٌ على المسّ أو إلحاق الأذى بكِ.
كم من ذكرى كانت ولا زالت حاضرة في خاطري…
أفتقدك كثيراً…
هذا العالم لا يشبهنا يا صديقي
لو أنك تعود لبرهة وتصنع شكلاً لقوس قزح…
للغيم والضباب…
ترسم شكلاً جديداً لمعدن الإنسان…
عُدْ واعزف لنغنّي:
لا أنت حبيبي ولا ربينا سوا…
عُد وغنّي لي… ضي القناديل والشارع الطويل…
عُد وغنّي للرفاق… للأصدقاء… للناس، وحتى للأخصام…
عُد لنتعلم منك أناقة الفكر والحوار الحضاري…
رفيقي…
لقد تغيَّرت المعالم، ومبادئ الانسان، والنقاش صار جدلياً… العامل فقد حقوقه بالنقابات، وأصبح أسيراً للقمة العيش دون عتاب…
الخيبات اقتحمت قلوبنا، وجعلت منّا أُناساً من ورق…
رفيقي:
في نهاية الرحيل
لك ذكرى أبديّة
ودمعة حزن
وابتسامة ورديّة
لحضرة الغياب
سلامٌ لك وعليك..