الأردن والنرويج : علاقات نموذجية، ونموذج للتعميم -د.غالب سعد – الأردن

0 318

 

العالم الآن – يستقبل جلالة الملك عبدلله الثاني والملكة رانية العبدالله، ومعهم الأسرة الأردنية بكاملها، يوم الاثنين الثاني من شهر آذار / مارس الحالي، جلالة ملك النرويج، هارالد الخامس، والملكة سونيا، على رأس وفد سياسي واقتصادي وثقافي هام، ومع أن الزيارة تندرج في اطار علاقات الصداقة بين البلدين، على مدى أكثر من نصف قرن، إلّا أن تنظيمها في هذا الوقت، يحمل الكثير من المضامين والرسائل الصريحة والضمنية، للأُردنيين ولشعوب المنطقة وجميع المعنيين بشؤونها. فمملكة النرويج الوادعة في أقصي شمال الكرة الأرضية، تتصدر قائمة الدول الأغنى والأكثر تقدماً واستقراراً ورفاهيةً على مستوى العالم، ولم يكن ذلك بسبب عدد سكانها الذين لا يتجاوزون الخمسة ملايين ولا لوفرة مواردها الطبيعية، وهي ليست الأوفر بالمقارنة مع الدول الصناعية والنفطية الأخرى، ولكن بفضل حكمة قيادتها وذكاء شعبها واجتهاده وحُسن ادارته لشؤونه الخاصة والعامة، فحياة النرويجيين كما سياساتهم الداخلية والخارجية، تقوم على الإيجابية والموضوعية والتنظيم والتركيز على ما يجب عمله، وحب الخير ونشر السلام على الأرض، ولذلك اكتسبت النرويج قوة أخلاقية تفوق في أثرها وتأثيرها القوة العسكرية والتدميرية للدول الأخرى، واشتهرت بمبادرات السلام وتسوية النزاعات ودعم الأنشطة الإنسانية والتنموية للشعوب والدول والمنظمات المتخصصة، وفتح حدودها لمن ضاقت بهم الأرض وتقطعت بهم السبل، وهو ما أكسبها أيضاً محبة الشعوب واحترام الدول بلا منازع.

يرتبط الأردن مع النرويج بعلاقات متميزة من الصداقة والتعاون والإحترام المتبادل، وهذا بفضل سياسات خارجية حكيمة أرسى قواعدها الأب الباني، المغفور له، الحسين بن طلال، وما زال يحافظ عليها ويطورها، جلالة الملك عبد الله الثاني، فمن حُسن الخيارات أن نستثمر في العلاقات مع دولة محترمة مثل النرويج، تمثل أحد أهم نماذج النجاح والموضوعية والإحساس بالمسؤولية على مستوى العالم، وتحرص أن تكون الى جانب الحق والعدل والسلام، وهي تتفهم مصادر قلق الأردن ولا تبخل عليه بالدعم في مواجة التحديات، سواء الناتجة عن ظروفه الخاصة أو عن الصراعات والسياسات الرعناء في المنطقة، فمن المعروف أن الأردن، بحكم موقعة الجغرافي وموقفة التاريخي، يعاني من تبعات تعثر عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واحتمالات تدهور الوضع نتيجة ىسياسات الإحتلال، بقيادة اليمين الصهيوني المتطرف والمدعوم، لدرجة التطابق من الإدارة الأمريكية الحالية، وهي حالة رفضها الأردن ويتحسب لعواقبها عليه وعلى المنطقة وعلى السلم العالمي، من هنا تحمل زيارة ملك النرويج للأردن، وهي الأولى لمنطقة الشرق الأوسط، بعداً إقليمياً هاماً، لا يخلو من التضامن مع الأردن، بعد أن أكدت السيدة تونة اليش، سفيرة النرويج في عمان، على أهمية الدور الأردني في القضية الفلسطينية بشكل خاص، وفي مجمل القضايا والتطورات في المنطقة، التي ستكون حاضرة بقوة على طاولة المباحثات.

وعلى مستوى العلاقات الثنائية تحمل الزيارة نفس الأهمية، حيث ستكون فرصة لقيادة البلدين لمراجعة مسيرة التعاون وتدعيمها، والنظر في مجريات الأحداث في المنطقة وسبل المساهمة في دفعها نحو الأفضل، كما سيجرى التباحث بين أعضاء الوفد الزائر ونظرائهم من الجانب الأردني، في الفرص الاستثمارية والتعاون الإقتصادية والدعم النرويجي المشكور، لكثير من الأنشطة والمشاريع في الأردن، وسيجرون العديد من الحوارات في مجالات التنمية واللاجئين والطاقة و الصحة والتعليم وتمكين المرأة والشباب ومحاربة الظواهر السلبية، وسيقوم الوفد الزائر بعدد من الزيارات الميدانية، للمنجزات والتجارب التنموية وللمخيمات والمواقع الأثرية وفي طليعتها، البحر الميت والبتراء، وهو ما سيساهم في التعرف أكثرعلى التجربة الأردنية، وما على الأردن من مسؤوليات وما لديه من مخزون حضاري ومعالم تاريخية وسياحية تستحق الإهتمام، وسيتم التركيز في الزيارة على الدورالأردني في دعم القيم الإنسانية ومفهوم التعايش المجتمعي والسلام القائم على الحق والعدالة، ودورة في استضافة الأخوة اللاجئين من السوريين والفلسطينيين، لاسيما وأن النرويج من الداعمين الرئيسيين لوكالة الأونروا ومنظمات اللاجئين والنازحين، وترأس منذ حوالي عقدين، مجموعة المانحين الداعمين لفلسطين، وهو ما يعني الكثير لنا في لأردن وعلى قمة اولوياتنا، نظراً لخصوصية العلاقة مع القضية الفلسطينية والإهتمام بتأمين الإحتياجات الضرورية للأهل في فلسطيين، وضمان حقوقهم المشروعة، في اطار حل الدولتين واقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وحل كافة قضايا الوضع النهائي العالقة في القدس والحدود والمياه واللاجئين، على أساس الإتفاقيات والشرعية الدولية، وهو الأمر الذي تدعمة كل من الأردن والنرويج، باعتباره حجر الأساس للحل العادل والدائم للصراع.

من الطبيعي أن نحتفي كأردنيين بضيوفنا الأعزاء، ولنا أن نفخر بصداقتهم والتعاون معهم، من أجل ترسيخ القيم الإيجابية والإنسانية، في عالم تعصف به الصراعات والحروب، وتنال منه سياسات العدوان والهيمنة والتدخل، عدا عن الأوبئة والجفاف والفقر والجهل وغياب الحكمة والحوكمة، ربما لا يستطيع المواطن العادي التقاط كل الرسائل المشفرة من هذه الزيارة، وأهمها، كيف حققت هذه الشعوب أحلامها ونجاحاتها، وكيف حافظت على مواردها والتقطت فرصها وتعيش بأمان وسعادة وتبتسم، وتجد متسعاً من الوقت والجهد لتذهب بعيداً، تساعد اللآخرين على أن يجدوا الإبتسامة، أي كان وطنهم أو دينهم أو عرقهم أو لونهم، أحرار في قناعاتهم وفيما يفعلون، لا يخشون في الحق لومة لائم، هذه خلاصة زيارات عمل للنرويج والإحتكاك مع زملاء دبلوماسيين نرويجيين، تذكرتها بمناسبة الزيارة الملكية للأردن، وقد تكون طريقتي الخاصة للترحيب بضيوفنا الكرام، أصالة عن نفسي ونيابة عن كل الحالمين بعالم أفضل.

السفير / غالب سعد
مدير المركز الإقليمي للتنمية المستدامة

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد