القضاء اللبناني بدأ تحقيقاته مع المصارف

0 321

العالم الآن – في أول إجراء من نوعه يلجأ إليه القضاء اللبناني مع المصارف، رداً على الاتهامات المُساقة ضد أصحابها حول ما وُصف بـ”تهريب أموالهم إلى الخارج”، استمع النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم والمحامون العامون الماليون، إلى رئيس جمعية المصارف سليم صفير ورؤساء مجالس الإدارة وممثلين لـ 15 مصرفاً لبنانياً، حول موضوع تحويل الأموال إلى الخارج، بعد 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وقاربت وفق التقديرات 2.3 مليار دولار أميركي. ولم يقتصر الاستماع إلى ملف التحويلات، بل تناول الملفات المالية الأخرى المطروحة في التداول وتحوم حولها الشبهات ومن ضمنها بيع سندات اليوروبوندز.

ويستكمل القاضي إبراهيم الاستماع خلال هذا الأسبوع، إلى مسؤولي المصارف الأخرى، على أن يطلع بنهايتها النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات على نتائج التحقيقات لاتخاذ الإجراءات المناسبة.

وتركّز التحقيق على موضوع عدم تمكين المودعين من السحب بالدولار من حساباتهم ووقف عمليات التحويل إلى الخارج للمودعين كافة، والتثبت ما إذا كانت المصارف التزمت زيادة رأسمالها لدى مصرف لبنان، إضافةً إلى موضوع الهندسات المالية وبيع سندات اليوروبوندز اللبنانية إلى الخارج.

إخبار بري

الجدير ذكره أنّ تحرّك النيابة العامة المالية جاء غداة إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه بري قبل أسابيع عن إخراج أصحاب خمسة مصارف أموالهم من لبنان، ما شكّل إخباراً للنيابة العامة، جرى على أساسه الطلب من أصحاب المصارف المثول أمام المدعي العام المالي. وإذا كانت التحقيقات قد شملت 15 مصرفاً، فهي ستُستكمل مع كل أصحاب المصارف، بعدما تبين من المعلومات التي توافرت لـ”اندبندت عربية” أن بري لم يقدم كشفاً بالأسماء، بل اكتفى بتسمية خمسة مصارف، تاركاً للقضاء المالي التحقق ومعرفة من هم أصحاب المصارف الخمسة، علماً أن المعلومات تفيد بأنّ بري يملك الأسماء ولكنه يتحفّظ عن الإفصاح عنها، منعاً لأي تشهير قبل أن يتأكد من صحة ما أعلنه.

تحقيق أو استماع؟

يرفض المصرفيون الذين تواصلت معهم “اندبندت عربية” ورفضوا الكشف عن أسمائهم، توصيف الجلسات بأنها “جلسات تحقيق أو استجواب”، مجمعين على أنها جلسات استماع واستيضاح واستفسار حول القضايا المالية المطروحة.

ويؤكد هؤلاء أنهم أجابوا عن الأسئلة بكل تفاصيلها، إذ أوضحوا أنه كان هناك سوء تفسير أو سوء تقدير للظروف التي أملت على المصارف اتخاذ إجراءاتها المؤقتة، التي خضعت فيها لتعاميم المصرف المركزي، ولا سيما في ما يتعلق بالهندسات المالية أو الاكتتابات بسندات اليوروبوندز.

وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن الأسئلة تمحورت على المواضيع التالية:

سعر الصرف، وهل المصارف تشارك في السوق الموازية أو تلتزم سعر الصرف الرسمي. وكان الجواب أن المصارف ملزمة بالتزام السعر الرسمي تطبيقاً لتعميم المصرف المركزي، لكن تثبيت سعر الصرف لا يعني أنه ينسحب على “الورقة النقدية”، أي على التعاملات بالعملة الورقية التي تخضع في هذه الحالة إلى حركة العرض والطلب.

القيود على السحوبات والمحددة بمبالغ نقدية صغيرة جداً وبمهلة زمنية محددة تفرض على المودعين التزامها. وكان جواب المصرفيين أن هذه الفئات النقدية التي تراوح بين مئة ومئتي دولار أخيراً أسبوعياً تشكل مئات ملايين الدولارات شهرياً، تتفاوت قيمتها بين مصرف وآخر، ولكنها لا تقل عن 300 مليون دولار شهرياً. وأفاد المصرفيون بأن البنوك تتكبّد كلفة استيراد النقد الأجنبي من الخارج، كون لبنان لا يتعامل بهذا النقد وليس عملته الرسمية.

الاكتتاب بسندات اليوروبوندز والأرباح التي حققتها المصارف بنتيجتها. وكان الرد أن مصرف لبنان المركزي حظّر على المصارف استثمار سيولتها في الخارج وألزمها استثمارها بالأدوات المالية المحلية، بعدما حجز على نحو 16 في المئة كاحتياطي إلزامي، فضلاً عن احتياطات أخرى بلغت نسبتها مجتمعة ما يقارب 35 في المئة من السيولة المصرفية.

في مسألة بيع السندات أخيراً وتأثير ذلك في ارتفاع نسبة حملة السندات الأجانب على حساب المحليين، أجاب المصرفيون أنه لم يصدر أي قانون يحظّر على المصارف بيع سنداتها إلى الخارج، كاشفين عن أن حاجة البنوك إلى السيولة لدى تلك المراسلة دفعتهم إلى انجاز عمليات البيع لتغذية حساباتهم الخارجية من أجل التمكن من تلبية التحويلات التي تحصل من الداخل، وإن كان بأحجام صغيرة وخاضعة إلى القيود. ويكشف هؤلاء عن أن التحويلات إلى الخارج لا تشكّل أكثر من 1 في المئة من موجودات المصارف.

في خلاصة اليوم الأول لجلسات الاستماع، لم يخرج المحامون بنتائج ملموسة، خصوصاً أنه بدا جليّاً أن المصارف مغطاة كلياً بالقانون، كما بالعقود الخاصة الموقعة مع الزبائن، وأن عمليات التحويل التي حصلت بعد السابع عشر من أكتوبر أو قبله بشهرين لا يحظّرها القانون.

وستتركّز التحقيقات على اكتشاف ما إذا كانت الأموال المحوّلة “نظيفة” أو تعود إلى أشخاص يتعاطون الوظيفة العامة أو الشأن العام، وذلك استناداً إلى قانون الإثراء غير المشروع ومكافحة تبييض الأموال.

لا توقعات متفائلة

لا تسود الأوساط القضائية أي انطباعات متفائلة حيال إمكان التوصل إلى تحقيق خرق على هذا المستوى، لكنّ المسار القضائي الذي بدأ لن يتوقف وسيستمر بغية التأكد من مدى قانونية كل الإجراءات التي لجأت إليها المصارف في كل المواضيع المشار إليها. ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة قد أعدّ تعميماً في شأن القيود على السحوبات والتحويلات، أودعه وزارة المال التي أحالته إلى مكاتب قانونية لدرس قانونية الإجراءات المقترحة والمتصلة بتنظيم العمل المصرفي بعد الفوضى التي شهدها ولا يزال في الأشهر الأربعة الماضية، والتي تركت تداعيات سلبية جداً في صفوف المودعين، كما أثّرت في سمعة القطاع المصرفي نتيجة سوء إدارة هذا الملف من قبل القيّمين على البنوك.

اليوروبوندز: مكانك راوح

من جهة أخرى، لم تحسم الحكومة اللبنانية بعد قرارها في شأن استحقاق اليوروبوندز البالغة قيمته مليار و200 مليون دولار في التاسع من الشهر الحالي. ونقلت وكالة “رويترز” أمس عن مصدر مقرّب من الحكومة اللبنانية قوله إن المستشارين الماليين والقانونيين للبنان يجرون محادثات مع حملة الديون المقومة بالدولار بشأن إعادة الهيكلة، لكنهم لم يتوصّلوا إلى اتفاق. ومن المنتظر أن يعلن رئيس مجلس الوزراء حسان دياب هذا الأسبوع قرار حكومته في شأن السندات المستحقة في التاسع من آذار الحالي، علماً أنّ سندات دولية أخرى بقيمة 1،3 مليار دولار تستحق في أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) المقبلين.

سلامة: لا مس بالذهب

في السياق عينه، وبعد تزايد الكلام عن إمكان رهن احتياطي لبنان من الذهب مقابل إعادة هيكلة الديون، قال سلامة بعد اجتماع مع رئيس الوزراء ووزير المال وجمعية المصارف إنه من غير الوارد المساس باحتياطات الذهب لسداد السندات الدولية.

وكشف عن أن القرار بشأن السندات الدولية هو في النهاية قرار الحكومة وليس قراره.

ووفق الموقع الإلكتروني للمصرف المركزي، فإنّ لدى لبنان احتياطات من الذهب بقيمة 15 مليار دولار تقريباً.

يُذكر أن الحكومة اللبنانية كانت عيّنت الأسبوع الماضي بنك الاستثمار “لازارد” ومكتب المحاماة “كليري جوتليب ستين أند هاملتون” لتقديم المشورة المالية والقانونية لها بشأن إعادة هيكلة الدين، المتوقعة على نطاق واسع.

وأظهرت بيانات “بلومبرغ نيوز” حتى نهاية 2019، أن مجموعة “أشمور” لإدارة الاستثمار في الأسواق الناشئة جذبت الانتباه في لبنان بتجميعها أكثر من 25 في المئة من الديون السيادية البالغة 2.5 مليار دولار المستحقة في 2020، بما في ذلك في استحقاق التاسع من مارس.

وأعلن وزير المال السابق علي حسن خليل، وهو مسؤول بارز في حركة ” أمل” التي يتزعمها بري، أنه يعارض سداد الديون والفائدة المستحقة على حساب المودعين.

وفي تغريدة على تويتر، نفى خليل تقارير صحافية عن اقتراحه فكرة توفير ثمانية مليارات دولار لسداد الدين.

وكتب “كنّا وما زلنا ملتزمين خيار عدم الدفع في سندات الدين وفوائدها على حساب حقوق المودعين”.
” اندبندنت”

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد