متماسكون في زمن الطاعون ؛؛؛- د.عصمت حوسو – الأردن
العالم الآن – ونحن جميعًا نمرّ في ذات الظرف العصيب اليوم، لا مفرّ أمامنا من التحلّي في الصبر والشجاعة والقوة و(المرونة) الكافية للاستجابة لكافة التحديات التي تواجهنا بروح مُفعمة بالإيجابية، ومُتخمة في التعاون والتضامن والتكاتف بين الجميع، ولا شكّ أنّ ما نمرّ به من أزمات على جميع الصعد لا يمكن وصفها بأقلّ من أنها قاسية جدًا، خاصة الكارثة الصحية الأخيرة التي اجتاحت العالم بأسره، ولم ينأى أحد من “احتمالية” الإصابة بها لا سمح الله، فتساوت الدول العظمى مع الدول النامية، وتساوى الغني مع الفقير، كما تساوى الوزير مع الغفير، وبات الكل سواسية- قسرًا لا طوعًا- أمام طاعون عشرين عشرين المستجدّ.
ونتضرع إلى الله عزّ وجلّ أن يمنحنا “القوة” لتغيير ما نستطيع تغييره، ومنحنا “الصبر” لتقبّل ما لا نستطيع تغييره، وأن يوهبنا “الحكمة” لنتمكّن من التمييز بينهما،، وإنه لحريّ بنا أن نبقى الآن متماسكون في زمن هذا الطاعون..
وعلى قدر ما نكون متماسكين بقدر ما يمكّننا ذلك من مواجهة طاعون العصر الحديث والقضاء عليه بالضربة القاضية، على محراب “الحبّ والتضامن والتكافل” بين الجميع، شعبًا وحكومة على حدّ سواء.
وإنّ تعزيز مفهوم (التضامن) في الوطن، وترويجه كقيمة سلوكية تقوم على مسؤولية مشتركة من مختلف القطاعات والشرائح الاجتماعية، يساهم حتمًا في مواجهة خطر مداهمة الطاعون الذي لا يرحم أحدًا، وبخلاف ذلك سيكون (الإخفاق) هو الثمن، وما يلحقه من تداعيات من شيوع الفرقة بين أبناء وبنات الوطن، وتفتيت النسيج الاجتماعي، وتفريغ الحقد الطبقي، وستكون النتائج كارثية ولا تُحمد عقباها..
ولتفادي ذلك ما علينا اليوم سوى (بناء الوعي)، ذاتيًا ومجتمعيًا، ولنبدأ في الأسرة على سبيل المثال، فلا بدّ أمام ما ليس منه بدّ في “البقاء القسري” في البيوت، أن يكون الأزواج على وعيٍ كافٍ بإتقان “ثقافة الاحتواء”، واستيعاب الآخر عندما تخرج الأمور عن السيطرة في حال الغضب، وبدلاً من شحن المنزل بطاقة سلبية ترهق جميع أفراد الأسرة، والتي بدورها تُؤثر سلبًا على (جهاز المناعة) وتقلّل من كفاءته، الأمر الذي يُضعفه في مقاومة فيروس الطاعون الجديد، يجب أن يكون “التضامن الأسري” في أوجه، ولا ضير بقليلٍ من الحكمة خلال هذه الأزمة، وإن تطلّبت تنازلات للآخر، فالمواقف الصعبة هي المحكّات الحقيقية لقياس معدن المرء، واختبار قدرته على الصبر أمام المحن وتحويلها إلى مِنح، ووقوفه مع الوطن ومواطنيه.
لذلك ننصح الأزواج بتقليل الحوارات في مواضيع جدلية لا داعٍ لها الآن، ووجوب التعاون معًا عند القيام بالمهام لتلبية الاحتياجات المنزلية ورعاية الأولاد والبنات، وإضاعة الوقت في حضور برامج هادفة وأفلام ذات قيمة، ومن الجميل أيضًا إعادة إحياء ثقافة القراءة وتبادل المعلومات، أو مشاركة قصص الطفولة الجميلة والمواقف المضحكة التي تخفّف من وطأة الخوف وعبء الوقت وثقله..
أما بالنسبة للتعامل مع الأبناء في ظلّ غيابهم عن المدارس والجامعات، فيجب أن يكون حذرًا فيما يتعلق بسلوك الوقاية من المرض، فهذه الكارثة لا تستغلوها في إرهابهم لإطاعتكم، وفي المقابل، لا تهملوها أيضًا وتدفعون ثمن الإهمال، ومن المفروض توصيل المعلومة (الذكية) لا الصحيحة، التي تتلاءم مع طبيعة شخصياتهم ونمطها، ودرجة استيعابهم للمعلومات، ودرجة تقبّلهم للأحداث، بحيث تكون بعيدة عن “القطبية”، فلا ترهيب ولا تخفيف كذلك، ولا يوجد عمر محدّد لطريقة التخاطب مع الأبناء وإيصال المعلومة لهم، فطبيعة التواصل بينكم ونوعيته وإمكاناتهم وكمّ المعلومات التي حصلوا عليها من وسائل التواصل الاجتماعي هي (المعيار)؛ لأنه لا يوجد قاعدة ثابتة في “السلوك الإنساني” تصلح لكل زمان ومكان ومع جميع الشخوص ولكافة الأعمار، وطالما وصلت المعلومة لبيتكم وجب تصحيحها وتعديلها بذكاء منقطع النظير، بأيّ موضوع كان، فهذا الأسلوب لا يقتصر على التوعية بمحاذير الكورونا ومخاطرها فحسب، وإنما ينسحب على كافة المواضيع التي تشوّش البناء المعرفي ونموه بشكل صحيح لفلذات أبنائكم وبناتكم..
وتذكروا أنّ (الترهيب النفسي) قد يحلّ مشكلة تعليمهم طرق الوقاية والنظافة، ولكنه قد يخلق لديهم مقابلها مشاكل القلق مستقبلاً، وتوليد أنواع كثيرة من الوساوس والفوبيا لاحقًا، لا سيما ما يتعلق بوسواس النظافة منها والفوبيا من المرض والموت، وربما يتسبّب في مشاكل التبوّل اللاإرادي وغيرها أيضًا، خصوصًا إن تمّ الحديث عن الموت بكثرة وبشكل مرعب.
أما الاستخفاف في الموضوع، وإخراج الأبناء إلى الشارع أو مخالطة الجيران والأصحاب للحصول على قسط من الهدوء والراحة بسبب إزعاجهم، فكأنك يا زيد ما غزيت؛ لأنهم سيتعلمون “البلادة” العقلية والجسدية، وتفضيل اللهو واللعب على الدراسة والقراءة والاهتمام في العلم والتعلّم، كما أن مخاطر الإصابة تكون عالية جدًا، فماذا استفدتم إذًا من تعطيل المدارس والجامعات؟!
فلا مناص أمامكم إذًا سوى استغلال هذا الظرف مهما كان صعبًا، لبناء الوعي لديهم عن كل شيء، وغرس القيم، وخلق حسّ المسؤولية في عقولهم وسلوكهم، أكانت مع أنفسهم أو مع الأهل والوطن، وذلك من خلال خرطهم بالمساعدة في إنجاز المهام اليومية، وتعزيز قيم التعاون فيما بينهم وبينكم، أما تشجيع القراءة ومكافأة من يفعل ذلك، وتقديره بعد عرض فكرة جديدة يشاركها معكم، سيحمي عقولهم من التبلّد ويخفّف إدمان الأجهزة الذكية أيضًا..
وبعد هذا العرض السريع لبعض النصائح على مستوى القاعدة والفروع، نأتي الآن على العلاقة بين الشعب والحكومة، فهذا وقت التضامن والتعاضد والتعبير عن الانتماء والحبّ للوطن بشكل حقيقي، ومن خلال الفعل على أرض الواقع لا الاكتفاء في القول والتغنّي في الشعارات البرّاقة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولا يتمّ ذلك إلاّ من خلال فسح المجال أمام المسؤولين للقيام بواجباتهم، دون إعاقتهم أو إحباطهم أو حتى التقليل من شأن صنائعهم، فليس هذا الوقت المناسب لتصفية الحسابات والأحقاد الشخصية إطلاقًا، ووجب علينا جميعًا محاربة ((الإشاعات)) ومروجيها، والتصدّي لراغبي الشهرة على حساب الأمن والسلم المجتمعي، وقطع الطريق على (أبو العرّيف، وأمّ العريف) في تحليلاتهم وتوقعاتهم المُحبطة، ومحاربة (التنمّر) الإلكتروني على العباد والبلاد والكوميديا السوداء؛ لأنّ كل ذلك وكل ما هو على منواله، ينال من عزيمة وإرادة الجميع، ويقود إلى افتعال مشاكل اجتماعية في غنى عنها في هذا الوقت الصعب، كما أنها تسبّب إيذاء نفسي وتلوّث علائقي وتراشقات كلامية مزعجة ومهينة ومؤذية، وليس هذا ولا كل ما هو على شاكلته من تلوثات سمعية وبصرية ونفايات فكرية ما يحتاج له المواطن والوطن الآن.
وفي المقابل، المطلوب من الحكومة اليوم التي أثبتت حنكتها وجدارتها في إدارة هذه الأزمة وملف طاعون الكورونا بجدارة غير مسبوقة، أن تتحلّى بالشفافية العالية في التصريحات الهامة، وإصدار المعلومات والقرارات في الوقت المناسب، لقطع الطريق على المغرضين ومخرّبي الأوطان وخفافيش الظلام..
الإرشادات والنصائح لا تسع لحشرها في سطور قليلة بمقال قصير، ولكن القليل أفضل من لا شيء في أقلّ تقدير، وهذا ما يحتاجه الجميع حاليًا إن جاز التعبير.
ولا مناص أمامنا جميعًا من ضرورة التكاتف والتضامن والتعاضد والتكافل والتعاون معًا للخروج من هذه الأزمة بسلام وبأقلّ خسائر ممكنة، وتذكروا قول الله تعالى “وتعاونوا على البرّ والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”، كما قال أيضًا “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا” صدق الله العظيم..
وفي العامية نقول لا تهرف بما لا تعرف..
قلمنا ونحن دومًا مسخّرون فديةً للوطن وخدمةً لمواطنيه، وحتى يعافينا الله سبحانه وتعالى من خطر طاعون العصر، سيبقى لنا معكم حديثٌ آخر وبقية…دمتم…..
دة.عصمت حوسو