أنا عربي فأنا مخنوق – د. عصمت حوسو – الأردن
العالم الآن –
عندما هجس أحمد شوقي بهذا الشطر في قصيدته الشهيرة عن دمشق ” كلّنا في الهمّ شرقُ” واصفاً الهمّ العربي آنذاك، لم يدرك حينها أن ذلك الهمّ قد يتمدّد بالوطن العربي جميعه الى الوقت الحالي، بل إنه امتدّ واشتدّ عن السابق أيضاً. لم يعد (الاحتلال الغاشم) هو أقسى هموم العرب كما كان سابقاً بقدر ما غدا الهمّ الأكبر الآن شرذمتهم وفرقتهم وتناحرهم داخلياً وخارجياً على حدّ سواء، فكلٌ يغنّي على ليلاه (والعدوّ) على ليله يغنّي..
فبعد أن وحّد وجود (العدو المحتل) أمتنا وعشنا جميعاً المشاعر الوطنية والقومية والمشاعر الوجدانية ذاتها، غرق كل قطر عربي حالياً بهمومه الداخلية المتفاقمة التي فاقت خطورتها خطورة العدوّ نفسه؛ فأصبح ما يفرّق الأمة العربية أكثر بكثير مما يجمعها في الوقت الراهن. لم تعد الجماهير العربية تخرج في مواكب الاحتجاجات ضد أي عدوان على أي قطر عربي شقيق كما كان يحدث في الماضي، حتى وإن أصاب العدوان الغاشم (القدس العربية) قدس العرب كلّ العرب لا سمح الله، ربما أضحى ذلك الآن حلم عربي أكبر من مقاسنا ..
الحيرة والحسرة والإحباط جلّ ما يتلبسه العربي في هذه الأيام الحرجة والمثيرة جداً، فخلقت لديه حالة من الاختلال النفسي أفقدته القدرة على التفكير الصحيح وحرفت بوصلته عن (العدو الحقيقي) وضلّ طريقه عن الاتجاه السليم..
لم يصل العربي الى تلك الحالة من (الذهول) الشديد من فراغ، كيف لا يصل لتلك الحالة (البائسة) وهو يرى إخوانه في خاصرة العرب فلسطين يقتتلون على الاستئثار بسلطة لا حول لها ولا قوة أمام العدو الصهيوني، كيف لا يشعر (بالخذلان) وهو يعاصر سقوط الأقطار العربية الواحدة تلو الأخرى وتقسيمها ثم توزيع الأوطان بما يخدم مصالح العدو الحقيقي، كيف لا يشعر (بالإحباط) وهو يرى المحن المتلاحقة على الأمة العربية لم تدفع عقلاء الأمة ولا حتى حكمائها الى مراجعة الأخطاء (والخطايا) التي أوصلتنا الى هذا المستنقع الدموي والسياسي القميء، كيف لا يشعر ذلك العربي (بالغثيان) وهو يُبصر أمته قد تقسمت الى مذاهب وطوائف وتفشّت العنصرية الغثّة والإقليمية القذرة والتطرف المرعب فيها ونخر كيانها حدّ التسوس، كيف لا يشعر (بالقرف) وهو يشاهد مسلسل التخلف هو الأبرز في الفضاء العربي فعماه الإرهاب وزادت جماعاته على محراب الدين، كيف لا يشعر (بالحيرة) وهو يستشعر نجاح مخططات الأعداء لضرب العرب ببعضهم فدمرت الجميع بلا استثناء وحولت وطنه العربي الى مناطق متناحرة متنافرة لا قرار لها ولا حتى استقرار، كيف لا يشعر (بالحسرة) وهو يقشع مقدرات وطنه تضيع في مهبّ الريح ويرى الفساد يتفشّى على حساب الوطن والمواطن، كيف لا يشعر (باليأس) وهو يعاني الظلم والفقر والجوع والبطالة ويرى في الوقت نفسه قلة قليلة متنفذة تتحكم بالبلاد وتتحدّى العباد، كيف لا يشعر (بالحزن) أيضاً وهو يشهد يومياً حالات الانتحار المتفاقمة وجرائم القتل المتزايدة ويشاهد مناظر الجثث والقتلى والشهداء غارقة في دمائها على الفضائيات (العربية) دون أن تحرك ساكناً لدى عروبته، كيف لا يشعر (بالرعب) ومنظومة الأمن والأمان تتهاوى أمامه بتسارع مخيف وما في يده حيله… مشهد عربي بائس جداً مليء بتساؤلات (كيف) المشروعة حالياً عن سبب خوفه وتشاؤمه ومشاعره السلبية الموصوفة هنا …
هل حالة (الذهول) الحالية للعربي غريبة الآن بعد كل ما ذُكر ؟؟؟؟ لا اعتقد ذلك بل اجزم هنا أن شعار الإنسان العربي وشعوره بات اليوم بكل ألم وحسرة هو (( أنا عربي فأنا مخنوق))، غدت العروبة وصمة موجعة بعد أن كانت وساماً مدعاة للفخر والاعتزاز.. ويا وجعي عليك يا وطني وعزائي الحارّ لكِ يا عروبة ..
كنا شرقاً متماسكاً جمعنا هماً واحداً هو (التخلص من الاحتلال)، وتعاضدنا لإثبات وجودنا إقليمياً ودولياً، اختفينا الآن عن المسرح الدولي بمأساة ثم بشكل هزلي مدعاة للسخرية والضحك في آن، انظروا الينا الآن وانظروا الى ما آل اليه حالنا يا معشر العرب لعلكم ترأفوا بنا. نحن شرقٌ مبعثر مُفتّت عبثت به الهموم ومزقته الأهواء، هذا الشرق الحالي لم يحتفظ للأسف الشديد الا بحرفين فقط من اسمه (شرّ)، شرٌ صنعه الأعداء بنا وشرٌ صنعناه نحن بأيدينا، ومارسناه في العراء دون خجل أو حتى حياء من تاريخنا ومن الأجيال القادمة، أما (القاف) تشي الآن بالقسمة بعد أن كانت تُشير الى القوة.. والوضع العربي الراهن يرينا ذلك المشهد الخليع بجلاء ووقاحة..
كنا أيضاً نتسامى عن الحدود الى العربي اللامحدود لكن أرهقتنا (قلة النقود)، وانتقلنا من اهتمامنا بكرامة العيش الى (لقمة العيش)، فرجحت كفة الخبز مع الكرامة لضيق الحال، فطغى الهمّ (المحلي) الواقعي الطاحن على الحبّ الرومانسي (العربي) الماجن..
أختم بأحمد شوقي كما بدأت عندما قال ” لستَ أمام عيني لكنك كل ما أرى”.. عن الوطن هو تحدث.. فكلّنا في الهمّ شرقُ، ويا أردنّ يا أرض العزم رُدّي الى الشرق الصبا..
دة. عصمت حوسو
رئيسة مركز الجندر(النوع الاجتماعي) للاستشارات النسوية والاجتماعية
مقال رائع وفي وقته ولكن من الواجب علينا أن لا ننظر إلى النصف الفارغ لا بد منا جميعا أن نكون متفائلين ومبادرين ونعمل على جلاء هذا الهم واخص بالذكر الإخوة والأخوات في المملكة الاردنية الهاشمية الرئة الثانية للشعب الفلسطيني أن نكون على قلب راجل واحد
أشكر الدكتورة كل الشكر