(سيارةُ إسعاف الثانية فجراً) – رانيا أبو عليان
العالم الآن …..إستيقظتُ على صوتِ تلكَ السيارة المرعب المدوي وانتفض قلبي رُعباً،…كيف لا؟ وأنا لازلتُ ابنة الخامسة عشرة سنة والتي لا تعرِفُ مِنْ أمُورِ الدنيا شيئاً غَيرَ عائلتها وبعضُ رفيقات الدراسة،…وأمانُها كانَ في قدوتها “أبٌ بناته هن كل حياته”…صاحب إحساس شاعرٍ ومهندسٌ معماريٌ ممن عُرفوا بإبداعهم بالأردن والخليج…
…استمر ذاك الصوت المُدَوي لسيارةِ الإسعاف بالارتفاع…كانَ مُرعِباً لدرجةِ أنني قد ظننته بجانبي تماماَ،…ومِنْ شدَّةِ خَوفي مِن تَعَالي ذاك الصوت…غادرتُ سريري وذهبت لغرفة أبي للاختباءِ بحضنه هروباً مِن خوفي وبحثاً عن ملجأ الأمان بين يديه..
…دخلتُ غرفةَ أبي فوجدت سريرهُ فارغاً..فأحسستُ حينها أنَّ الكونَ قد فرَغَ منَ البشر.
….توجهَتُ لوالدتي مُتسائلةً”ماما وين بابا؟”، فأجابتني بصوتٍ مخنوقٍ بقيَت به مُحاولةً أن تَغلبَ دموعها حتى غلبتها قائلةً: بأن أبي قد تَعِبَ وأتَتْ سيارة الإسعافِ لاصطحابهِِ للمشفى.
…جلستُ حينَها مذهولةً مصعوقة..ولكنني بقيت مُستيقظةً مُنتظرةً عودة أبي للمنزل…فقد كُنتُ أظنها وعكةً عابرةً ثم لن يلبث إلاَّ أن يعود.
…ومع شروقِ الشمس وارتفاعها ليُغطي إشعاعها الأرض في ذلك اليوم النيسانيّ الذي غيَّرَ مجرى حياتي طُرِق بابُ منزلنا طرقات متتالية،…وأنا ركضتُ مسرعةً لأفتحهُ مُنتظرة لعودة أبي وقلبي يقفز للقائِه..
…فتحتُ البابَ فرأيتُ جدي باكياً بدموعٍ لم أجد لها تفسيراً في حينها…سألته ملهوفةً” وين بابا ليه بتبكي”..فأجابني مُنهارا”يسلَم راسِك”!!
لم افهم معنى ما قال في حينها فردَّدتُ سؤالي مراراً وتكراراً عن والدي حتى عرفتُ أنه قد مات..فارقَنا وهو في السابعةِ والأربعين من عمره وترك بالقلبِ كَسرا لا يُجبر وفي الروح فراغاً لم يستطع بشرْ أن يملأهُ حتى الآن،..
…أوَليسَ الابُ هو حبيب ابنته الأول؟!!
….وواللهِ آنَّ فُراقَهً هو الأعظم والقاصِمُ للظهرِ والنَفسِ والقلبِ طوال العمر….
…مضيتُ ومضتْ الأيام…كبرتُ وتغيرتُ وتغيَّر في روحي ونفسي الكثير ..الكثير،..
….ولكنني لا زلتُ أتذكر تلك اللحظة في كل ليلة حتى الآن،…لا زلتُ حتى هذه اللحظة عالقة عند تلك الحظة… لحظة :”سيارة إسعاف الثانية فجراً” المؤلمة.
رحمك الله يا ابي.. فكم إشتقتُ اليك..
#رانيا_ابوعليان