(عندما يُغني الياسمين) – رانيا أبو عليان
العالم الآن – …ولازالتُ حينَ تهب رائحة الصيف أستعيدُ ذكريات سهرة منزل عائلتي القديم…ذلك البيت الذي صمَمَه والدي رحمهُ الله تصميمَ عاشقٍ للزمان والمكان،..كيف لا؟ وهو المهندس المعماري المبدع الذي يُجيد تجسيدَ أحلام الناس لواقعٍ يسكنونه…فلم يكن ليُعجزهُ أن يُبدع تصميم منزله الذي يسكن…..زوايا جميلة ومساحات واسعة حول المنزل فيها كل ما تشتهي العين من ثمارِ…وأظنه لم يترك شيئا لم يزرعه…فكل ما رأيت في هذه المواسم من أشجار محملة بالثمار أتذكر شبيهها في منزل عائلتي…لازلتُ أذكر تلك الجلسات التي تُحيط بالمنزل و”عريشة العنب الأخضر”و”عريشة العنب الأسود”في الساحة الخلفية…ولكن قلبي يتسارع بالخفقان حين أذكر تلك العريشة التي كانت عند مدخل المنزل…كانت “عريشة الياسمين الأصفر”…تلك الساحرة التي كنا نقضي سهرات الصيف تحتها بل عندها…ولا أبالغ إن قلت بل معها،…نعم كانت تشاركنا السهرات بحضورها وعنفوانها ورائحتها الزكية،..لم تكن حقا ياسمينة عادية،…كانت صفراء اللون جميلة جدا..حتى أنني لم أرَ في الكون مثيلها..ليس مجازاً بل حقيقة.
…كبرنا وتوفي أبي وغادرنا ذلك المكان الذي أعشق..ولم يعد منذ ذلك الحين في قلبي إرتباطٌ مع أي مكان…أولا يقولون أنَّ قسوة الفراق تُحطم القلب وتذيبهُ بل وتقتله،…نعم لقد مات قلبي حُزنا على فراق ذاك المكان،… فلم يعد يتعلق بمكانٍ بعدَ ذاك الوقت…
..ولكن الغريب بالأمر أننا كلما جلسنا جلسات الصيف أتذكر ذاك الياسمين الأصفر بل وأشم رائحته…أفيعقل أن تعيش تلك الرائحة كل هذه السنوات وتخترق كل المسافات لأستطيع شمها ؟..والغريب أنَّ الامر قد تعدى ذلك لأعيش حالة سماعي لغنائه حين تهب عليه نسمات الصيف الليلية الجميلة ،…ليُخالط العبير الجميل حفيفَ أوراقه زاهية الصُفرة…
….. فاسرح في تلك اللحظة لأقول لنفسي : ألا ليتنا نعود أطفالاً ونجلس تلك الجلسة ،…سعيدين فِرحين غير آبهين بوجع السنين…هناك حين تُداعب النسمات الأغصان ….عندما يغني فَرَحا لوجودنا برفقتِهِ زهرُ الياسمين.
#رانيا _ابوعليان