حلبة الصراع الجندري ؛؛؛- د.عصمت حوسو – الأردن

0 260

 

العالم الآن – في قراءة موضوعية دقيقة للنظرة الاجتماعية والنفسية السائدة عن (المرأة المفضّلة) في عيون الرجل العربي والمترسّخة في العقل العربي “الجمعي” كموروثات معلّبة جاهزة، وعن (الرجل المُحبّب) كذلك في عيون الجنسين، وجدتُ أنها صراعات قديمة متجدّدة لا تتناغم مع تغيّر الأدوار الجندرية الحالية، والتي ما زلنا نشهد توثيقها في أفكار وسلوك الجنسين بوعيٍ تارة ودون وعيٍ تارات كثيرة، وهي ذاتها التي وثّقها التاريخ في الإرث الثقافي جميعه الأدبي منه والفنّي كذلك، ويكرّرها الإعلام ووسائل التواصل الحديثة بأشكال وصور مختلفة.

لذلك، كثيرًا ما نرى رجل عصري وامرأة عصرية بالمظهر وما زال الجوهر من حيث الإرث الثقافي عن الذكورة والأنوثة في أدمغتهما كما هو، ولا يخضع للتفكيك والتصحيح والغربلة والتعديل إلاّ عند وقوع الصراع بينهما سواءً في العلاقة الخاصة أو العامة، ولا يتمّ ملاحظتها وتشخيصها ومعرفة أنها أساس الخلاف بينهما إلاّ عند لجوء أيّ منهما أو كليهما للمختصين/ات..

فما زالت الأنثى المرغوبة للرجل العربي هي تلك الحانية والمطواعة والمسالمة وغير المنافسة في البيت والعمل على حدّ سواء، وعليها أن تعترف بقناعة ورضا بتفوّق الرجل وكفاءته، وهي حوّاء الجميلة شكلاً والرقيقة قلبًا المعتمدة على آدمها، والمعجبة بالملك الذي توّج قلبها حصريًا، والتي تقف معه إن طاله الزمن، وتضمّه إلى روحها إذا مسّته المِحَن، وتغفر له باستمرار زلاّته وإن كانت موجعة. بمعنى آخر الرجل العربي يريد زوجة تحاكي الأم لكن دون ندّية سلطتها، وأن تُعانق نفسها نفسه ولكن دون حريّة..

نموذج حالم جميل ولا غبار عليه، ولكن هل تقتصر تلك المواصفات الفخمة الرائعة على ضرورة توفرها لدى المرأة فقط؟! أليس من حقّ المرأة أن تكون تلك المواصفات ذاتها التي ترغبها موجودة في شريكها أو الرجل الذي تتعامل معه في كلّ المؤسّسات؟!

لذلك،، كانت وما زالت هذه التنميطات غير مُفرحة وربما مرفوضة، خصوصًا أنّ نموذج الرجل العربي “المُفضّل” في عيون الجنسين معًا هو القويّ والعنيف والمنافس والمسيطر والناجح وغير العاطفي الذي لا يبكي أبدًا، والأهم هو المموّل ماليًا من الألف إلى الياء.
وهذا إفراز اجتماعي نفسي عبثي وقمعي للمرأة والرجل معًا؛ لأنه ببساطة يُغيّب فردانية الشخوص، ويتجاهل الفروق الفردية في الجنس الواحد والفروق في ديناميكية وخصوصية كل علاقة على حِدا، بالإضافة إلى ذلك أنّ مثل هذا التقسيم النمطي يحمّل الجنسين، والمرأة على وجه الخصوص، مشقّة البحث وعنَته عن (القبول) الدائم لتنعم بالصحة النفسية والمجتمعية؛ لأنها إن حادت عن هذه القوالب الجامدة سيتمّ رفضها، ونعتها باللاّأنثى وربما (المسترجلة)، ويتزامن هذا الرفض مع التغافل عن مشاركة المرأة للرجل “ماليًا” وتحمّلها معه لأعباء الحياة كاملة، ولكنه يبقى على مستوى سلوك غير متطابق مع الإرث الفكري في العقول، وعدم التطابق هذا ما بين الفكر والسلوك يفسّر بدوره تزايد الأمراض النفسية والظواهر الاجتماعية السلبية كارتفاع نسب الطلاق والصراعات الدائمة بين الجنسين..

هذه المنظومة الاجتماعية النفسية تضغط الجنسين للامتثال نحو متطلبات ومواصفات صعبة تشبه إلى حدّ كبير المواصفات الجاهزة الموثّقة على العبوات الغذائية في السوبر ماركت أو على الأجهزة الكهربائية في المحلات، متجاهلة البعد الإنساني تمامًا!!

كما أنّ اعتبار هذه المنظومة ظالمة؛ لأنّ التنميط الجندري الجامد والمقولب الذي لا يتماشى مع تغيّر أدوات العصر وتغيّر أدوار الجنسين، يُعتبر دون أدنى شكّ تعدٍّ صارخ على حريّة (الاختيار الإنساني) الحرّ والإرادة الحرّة بأن نكون ” ما نريد أن نكون عليه”، نساءً كنا أم رجالاً، كما أنه السبب الرئيس لتهالك الصحّة النفسية، ومقدّمات لها كذلك؛ لأنه يقود إلى تردّي معاني الاعتزاز بالنفس وتحقيق الذات والوصول إلى حالة (الملىء الداخلي)، للمرأة والرجل دون استثناء..

وعليه، وحتى نقطع الطريق على المطالبات الهجينة التي لا تتفق وثوابت القيم العربية، علينا جميعًا أفرادًا وحكومة ومؤسّسات أن نمتلك نظام كوابح كفؤ جدًا يتوقف بنا عند (معادلة) مناسبة جديدة للأطر الجندرية التي بهتت وغابت سيطرتها وبريقها لمعاني الذكورة والأنوثة، معادلة تضمن للجميع عدم غموض الأدوار وتنقذنا من التوليفات الغربية المرفوضة عربيًا، فنحن كمجتمع عربي ما زلنا في خضمّ “المرحلة الانتقالية” والتي نحتاج فيها لوجود الحدّ الأدنى من المعايير والقوانين الضابطة لأصول العلاقات بين الجنسين، والحاكمة أيضًا لديناميكيات التفاعل الاجتماعي، فلم نعُد نحتمل تعديلات (( عرجاء )) لا تُسمن ولا تُغني من جوع، فالفكر يُحارب بالفكر لا بالرفض والتنديد..

المجتمع يحتاج الجنسين معًا في نموذج تكاملي وتكميلي مريح لكليهما، والمجتمع أيضًا بحاجة إلى العقول والقلوب معًا حتى لا تنتفِ سمة الإنسانية عنه، كيف لا والإنسان أكان رجلاً أم امرأة مجبولٌ على العقل والعاطفة، ولكن يجب تعليمه متى يمكنه تغليب عقله على قلبه ومتى يغلّب قلبه على عقله، وليس بإمكان المرأة ولا الرجل اقتصار تفكير أيّ منهما أو سلوكهما على واحدة دون الأخرى، وهذا ما أسميناه بِ (الذكاء الجندري) الذي يجب تعليمه للجنسين منذ نعومة أظفارهما حتى نحظى بمجتمع صحيح نفسيًا ومجتمعيًا يتماشى مع العصر الحديث دون انتقاص لأيّ جنس على حساب الآخر، ودون انتقاص من ثقافتنا العربية وقيمها الجميلة.

وأخيرًا نقول، ليس على المرأة التشبّه بالرجل لتقوم بأدوارها الحديثة، وإنما يجب أن تُعلي قيمها وطاقتها الأنثوية لتحظى بمعايير القبول الاجتماعي، وليس من العدل كذلك وصم الرجل بسمات تبتعد عن معايير الذكورة المقبولة اجتماعيًا إن اقترب من السمات الأنثوية في أخلاقه وسلوكه.
ولمن يعترض على موضوع “القبول الاجتماعي” وعدم الاكتراث به، أقول لكم أنه يُعتبر من أهم قواعد الصحة النفسية والحماية الاجتماعية من الإصابة بالأمراض النفسية الناجمة عن غيابه بكثرة حاليًا، وشواهد الواقع خير دليل..
دمتم…
دة.عصمت حوسو

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد