ملامح سياسات الرئيس المنتخب تجاه قضايا الشرق الأوسط

0 347

العالم الان – أثار الإعلان عن فوز جو بايدن في سباق الرئاسة الأميركية، الأسبوع الماضي، تساؤلات عن النهج الذي ستتخذه إدارته في قضايا الشرق الأوسط.

وبالنسبة إلى كثيرين من قادة الدول الذين سارعوا إلى تهنئة بايدن، كانت الانتخابات الأميركية تتعلق برحيل الرئيس دونالد ترمب وسياساته ومواقفه، بقدر ما كانت إيذاناً ببدء عهد جديد في العلاقات مع الرئيس المنتخب. ويُنظر إلى بايدن على أنه شخصية مألوفة على المسرح العالمي، منذ عمله في الكونغرس وتوليه منصب نائب الرئيس في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. كما أنه يُعتبر شخصية وسطية، لا تميل إلى الانحراف والتطرف، ويُرجّح أنه سيعود إلى استخدام الأساليب التقليدية للقوة الأميركية في الخارج. ونادراً ما يبتعد الرؤساء الأميركيون عن المبادئ التوجيهية التي تمليها المصالح القومية الأميركية والتي توصي بها الوكالات المتخصصة في التعامل مع دول العالم.

ولا يتوقع محللون تغييراً جذرياً في السياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس المنتخب. فبعدما رفع ترمب شعار «أميركا أولاً»، يرجّح المحلل جيسون ماركزاك أن يقود بايدن سياسات تؤمن بأن الولايات المتحدة يمكنها تحقيق المزيد عندما تعمل مع الدول الشريكة، بينما تؤكد إيما أشفورد، الباحثة بمركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن، أن إدارة بايدن ستسعى إلى إعادة بناء التحالفات، وتقول إن «انتخاب جو بايدن – في خضم ما قد يكون أحد أكثر العصور فوضوية وخطورة في تاريخ الولايات المتحدة – يمثّل انتصاراً للقيم التي قامت عليها الولايات المتحدة، وهو أيضاً إشارة مهمة لأولئك الأصدقاء في الخارج بالتزامنا المتجدد بالعمل معاً لإعادة الاستثمار في التعاون متعدد الأطراف، والمعايير الدولية، والنظام العالمي؛ وهي الوسائل الفعالة الوحيدة لمواجهة التحديات الملحة التي نواجهها». وتضيف: «سيسعى الرئيس المنتخب جو بايدن إلى تجديد نظامنا السياسي في الداخل وإعادة بناء تحالفات أميركا في الخارج».

وفي هذا الإطار، من المرجح أن يعدل بايدن سياسات ترمب تجاه الشرق الأوسط بشكل طفيف، لكنه لن يبتعد عنها بشكل كبير.

ويقول وليم ويشسلر، مدير مركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط في «معهد أتلانتيك»، إن إدارة بايدن توفر فرصة للقادة في المنطقة، لإعادة ضبط «العلاقات على طول خطوط المصالح المشتركة طويلة الأمد، بما في ذلك التعامل مع التهديدات الإيرانية. وستحتاج إدارة بايدن القادمة إلى التركيز فوراً على مجموعة واسعة من التحديات الرئيسية في الخارج من الصين وروسيا والتهديد الوجودي المتمثل في الاحتباس الحراري. ومع ذلك، فإن الاحتمالات كبيرة بأنه عندما يوجه بايدن عينيه إلى الشرق الأوسط، فإن الرئيس المنتخب سوف يتطلع إلى عرض إمكانية إعادة ضبط المنطقة وفق هذه الشروط».

ويرى بعض المحللين أن سياسة بايدن في الشرق الأوسط لن تختلف عن سياسة ترمب إلا فيما يتعلق بإيران وتركيا. ففي عام 2008 وعد المرشح باراك أوباما أنه في حالة انتخابه رئيساً، فإنه سيسحب القوات الأميركية من العراق في غضون ستة أشهر، وهو ما كان سيحدث في منتصف عام 2009، لكنه لم يسحب القوات الأميركية حتى نهاية عام 2011، وانتهى به الأمر بإعادة بضعة آلاف من الجنود في عام 2014.

والظروف السياسية التي يفرضها الواقع والتغيرات السياسية وتوازنات القوى على الأرض، تغير كثيراً من توجهات السياسة، رغم الوعود الانتخابية. ومثلما وعد أوباما بسحب القوات الأميركية، تحدث ترمب عن إعادة القوات الأميركية إلى الوطن، وتراجع عن سياسات سلفه بشكل كبير، وانتهج نهجاً مخالفاً لنهج أوباما تجاه منطقة الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بإيران، وحاول محو إرث أوباما في الاتفاق النووي الإيراني وأعلن انسحاب الولايات المتحدة منه.

وقد وعد الرئيس المنتخب الآن بالتراجع أيضاً عن سياسة ترمب الخارجية وبشكل خاص فيما يتعلق بإيران وتركيا، لكن يُرجّح أنه سيواصل السياسات السابقة للحزبين الجمهوري والديمقراطي تجاه الخليج والعراق وسوريا ولبنان وإسرائيل ومصر. وفي هذا الإطار، يُعتقد أنه تحت رئاسة بايدن ستظل دول مجلس التعاون الخليجي حليفاً ثابتاً لأميركا. ويقول محللون إنه يجب التقليل من توقعات بعض الأوساط بأن جماعة الإخوان المسلمين سيتزايد نفوذها داخل أروقة إدارة بايدن.

وبالنسبة إلى إيران، كتب بايدن في مقالة رأي نشرها في سبتمبر (أيلول) الماضي: «نحتاج إلى تغيير المسار بشكل عاجل»، معتبراً أن سياسة سلفه ترمب انتهت بـ«فشل خطر»، وجعلت إيران من وجهة نظره «أقرب» لامتلاك سلاح نووي، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية. وأكد بايدن في مقالته عزمه الاقتراح على طهران خوض «مسار موثوق به للعودة إلى الدبلوماسية». لكن الرئيس المنتخب شدد على أنه سيكون «صارماً » مع إيران، وربط أي عودة محتملة إلى الاتفاق النووي، بعودة طهران لكامل التزاماتها. من جهتها، أبدت إيران استعدادها للترحيب بعودة الولايات المتحدة، لكنها شددت على ضرورة اقتران ذلك بتعويض أميركي عما تكبدته منذ 2018 جراء إخلال واشنطن بالاتفاق.

وفي خصوص تركيا، ثمة توقعات بأن إدارة بايدن ستتخذ موقفاً حاسماً من شرائها نظام صواريخ روسي الصنع من طراز إس 400، علما بأن إدارة ترمب كانت قد رفضت فرض عقوبات عليها بسبب هذه القضية.

أما بالنسبة إلى العراق، فثمة اعتقاد بأن الديمقراطيين والجمهوريين مقتنعون بأن استثمار أميركا في العراق لا يمكن أن يُترك لإيران. ومن المتوقع تحت إدارة الرئيس بايدن بقاء القوات الأميركية في العراق لوقت أطول، حتى تكون بغداد والمؤسسات العراقية قوية بما يكفي للتعامل مع سيادة العراق على أراضيه وحماية المصالح الأميركية فيه.

وفي سوريا، ينصب اهتمام الولايات المتحدة على التأكد من ألا تتحول هذه الدولة إلى دولة فاشلة تصدّر الإرهاب، والتأكد من هزيمة «داعش». ويتوقع محللون أن بايدن سيحافظ على وجود القوات الأميركية في شرق سوريا لمواصلة منع ظهور «داعش» من جديد ومنع الحكومة السورية من استغلال الموارد النفطية.

وسيتركز اهتمام إدارة بايدن أيضاً في لبنان في مجال محاربة «حزب الله» وتقليص نفوذه، علماً بأن واشنطن شددت في الفترة الماضية الخناق على الميليشيات الموالية لإيران من خلال سلسلة عقوبات.

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتعاون مع إسرائيل فستستمر إدارة بايدن في دعم إسرائيل في إبقاء حدودها مع جيرانها هادئة، كما ستستمر المساعدات الأميركية لإسرائيل والحفاظ على تفوقها العسكري وربما تتزايد تلك المساعدات إلى مستوى أكبر. ومن غير المرجح أن يغيّر بايدن قرارات ترمب ويعيد نقل السفارة الأميركية من القدس إلى تل أبيب. لكن من المحتمل أن تعيد إدارته طرح فكرة حل الدولتين والبناء على ما حققه ترمب من اتفاقات تطبيع بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان.

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد