المهنية قبل أن تكون أستاذا جامعياً -د. رهام زهير المومني –الأردن

0 408

 

العالم الان – في جلسة وُدٍ ومحبة مع الأصدقاء، لفت سمعي تعليق (يا ريت كل الدكاترة يشتغلوا ويأخدوا خبرة على أرض الواقع بكل التخصصات وبعدين يجوا يدرسّوا) ، وتعليق آخر (في منهم حافظ مش فاهم).
منذ أن بدأت مشواري العملي قبل ما يقارب العشرين ربيعا وأكثر، كونت عائلتي الصغيرة، وتحملت مسؤوليات كبيرة وأنا صغيرة، واجهني العديد من الصعوبات والتحديات، وقتها وعَدْتُ نفسي أن أبقى قوية وأحقق أحلامي، وكنت مؤمنة بعبارة (سأبقى على يقين بأن ما أحلم به سيأتي يوما) في ذلك الوقت كنت قد تخرجت من منارة العلم التي كانت بالنسبة لي مسرحًا للتأمل بالكون، فهي جامعة من كل الفئات والمستويات والأطياف والدول، فيها الأصالة  والتربية والخُلق، فالجميع يجمعهم هدف واحد مشترك وهو العلم ونقل المعرفة في جو حضاري صحي يسوده التعاون والمحبة والقيم المشتركة بين الطلبة والمعلمين، وإن لم تكن تخلو من بعض المعوقات والتحديات، إلا أنني أدركت أن الكون وأسراره بالجامعة، فإذا أحسنتَ الفهم والتعامل أحسنت لك الحياة.
كلما درسني مدرس كنت أتخيل نفسي مكانه وأرجع الى المنزل وأقلده كيف يتعامل معنا كيف يلقي المحاضرة كيف كنا ننظر إليه ونهابُه، كان  بالنسبة لي المثل الأعلى والقدوة خاصة إذا كان يملك من الذكاء الوجداني والعاطفي ما يكفي لنحبه ونحب المادة لنفهمها، فكيف إذا وجد لديه طاقة إيجابية وحس مرهف وحضور طاغٍ، لا شعوريا تتحول إلى مستمع ومتأمل جيد.
ما زلت أذكر مواقف حصلت مع أحد الأساتذة عندما شاركنا تجاربه قبل أن يصبح أستاذ جامعة، وكيف كان له تأثير في مديره بتغيير استراتيجيات العمل بمصنع معين عندما شارف المصنع على الإفلاس، فشاركنا تجربة النجاح أولا ومن ثم شرح لنا الإجراءات والأساليب التي كانت بالنسبة لنا كرسمة إنتهى فنان من رسمها وبدأ تلوينها.
جميل جدا أن يكون الأستاذ الجامعي ذا خبرة عملية وينقل تلك الخبرة بكل أبعادها لطلابه، لأن القصص ترسخ بالأذهان ويكون وقعها أكبر من مجرد سرد مادة من غير مدعمات، أي كلمة تقولها للطلاب لن تُنسى.
مضت الأيام وحققت حلمي، وانتقلت من المسار المهني إلى المسار الأكاديمي وأصبحتُ أستاذة جامعة بعد مشوار طويل كموظفة بأفضل الشركات التي تعلمت منها الإدارة، وما هي القيادة الناجحة، لأنني شعرت بالفرق عندما يكون القائد فذًا، يمتلك تأييد وحب واحترام الجميع، فالقائد الحقيقي لا يظلم ولا يسمح بالظلم، عرفت معنى التغيير واستراتيجياته ومراحله وما هي القوى والأسباب التي تستدعيه وكيف يُقاوم وما هي أسباب مقاومته، لأنني كنت واحدا من الذين إتبعت معهم الإدارة  استراتيجيات الإقناع، أدركت أهمية الإبداع وما الحاجة إليه، لأنني تكافأت عندما قدمت شيئا مميزا، عشت أجواء ثقافات مختلفة ومتنوعة، ولكن كنا جميعا نحمل ثقافة واحدة منبعها الأصول والقيم والأعراف التي تُميزنا عن غيرنا.
تعلمت العمل وعرفت موقعي من خلال الهيكل التنظيمي الذي يحدد أين أنت والذي يعتبر بمثابة بطاقة تعريفية مؤقتة، عرفت آلية الاتصال لأنني عندما تجاوزت التسلسل الإداري تعاقبت، عشت ضغوط العمل فعليا وعرفت كيفية إدارتها ولم أسمح لها بالاستمرار بالتأثير  في حياتي، كنا أحيانا نشارك في صنع القرار فتذوقنا طعم الإنجاز، وأحيانا كثيرة كنا مغيبين، شعرنا برضا وظيفي وأحيانا لم نشعر، أما شعور بالاستقرار فهو مختلف، كنت محظوظة باختياري المنظمات التي عملت بها فهي كانت متميزة بالأمن الوظيفي، شكلنا بصداقتنا مع بعض الزملاء جماعات غير رسمية كان لها في بعض الأحيان تأثير في المنظمة، فعرفنا أهمية الجماعة داخل المنظمات.
تعلمنا العمل بعدة طرق ولم يكن هناك مجال للتجربة والخطأ فأدركنا أهمية الوقت، عشنا الصراع التنظيمي بمختلف أنواعه ومراحله، عشنا كل تفاصيله وطرق تقليصه وإدارته، عرفنا أهمية وجود النقابات والاتحادات التي تدافع عن العمال، كيف لا وهي الجهة المخولة بالدفاع عن حقوق العاملين، فالأصل أن تدافع عنهم بالحق ولا تتاجر بمصالحهم، زعلنا وفرحنا وتشاركنا كل التفاصيل، وعرفت وقتها أن سلوك الأفراد والجماعات مختلف ويجب التعرف عليه ليسهل التعامل معهم، وأدركت أن الجماعة قوة، والعمل ضمن فريق هو الذي يرفعك للقمة، وأيقنت أن لكل شخص توجه وإدراك وقيم وشخصية ومشاعر تختلف وتجتمع أحيانا، فأنا لست الآخر، والآخر ليس أنا، حتى وإن تشابهنا بالشكل الخارجي أو المظهر، إنما التكوين الداخلي مختلف.
فشاركت الطلاب تجاربي وخبراتي  السابقة موظفة ومتطوعة ومدربة وصاحبة عمل خاص، فأصبحت خبرتي والعديد من الزملاء مثار اهتمام الطلاب وإعجابهم ومتابعتهم واحترامهم، ومدعمة لهم في استيعاب أية مادة إضافة إلى المتعة، ومرور الوقت بسرعة الضوء.
ما أريد إيصاله مهم جدا ان يكون الأستاذ الجامعي صاحب خبرة ومعرفة بمختلف مجالات الحياة، ويجب على الجامعات أن تحاول استقطاب ذوي الخبرات والكفاءات أيضا في المجال المهني لا  الأكاديمي فقط، وإذا لم يكن يملك الخبرة عليه أن يكتسب مهارات عملية ويتدرب ويقرأ وأن يضرب الأمثلة لتكون المادة راسخة ممتعة وسهلة للطالب، لأنني أشعر بالسعادة عندما أكون مؤثرة في طلابي وقدوة حسنة لهم، وبعد مدة يذكرونني بالمواقف التي حصلت معي عندما أخبرتهم عنها.
لذلك أية فكر، قيم، معرفة، تريد إيصالها هي مصّدقة لديهم، فكن لهم القدوة وابنِ جيلًا وازرع الخير تجني ثماره.

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد