ما جديدك يا عشرين وواحد – د.عصمت حوسو – الأردن
العالم الان – لا يولد الإنسان في اليوم الذي تضعه أمه، بل يولد بنفسه مرارًا وتكرارًا مجبورًا من ضغوط الحياة وبناتها وكدرها، فتصله (الحكمة) إما متأخرة أو بثمنٍ باهظ، وقد تصل أحيانًا عندما لا تنفعه في شيء، والمحظوظ من أدركها قبل فوات الأوان.
وبما أنّ الحكمة وصلتنا متأخرة وربما لم تصل بعد، نتمنّى أن تتزامن بداية العام الجديد مع بدء تموضع “الحكمة والبصيرة” في عقول العرب جميعًا..
ففي بداية كلّ عام نتأمّل أن يكون أفضل من سابقه على مستوى شخصي ووطني وعربي على حدّ سواء، لعلّ الحال العربي الراهن والمحلي الطاحن هو ما يشغل بال الكثيرين أو (الشرفاء) منهم في أقلّ تقدير..
أعوامٌ متشابهة بالبؤس مضت واحدًا تلوَ الآخر، والتغذية الراجعة منها أظهرت أنّ لعبة (الروليت) العربية تتوقف عند ذات الرقم وتكرر ذات الرابحين بفجاجة مضحكة، وأنّ النهايات المفتوحة للاحتمالات لا تقتصر على (الأفلام)، بل وبشكل فريد على العالم العربي فرديًا وجمعيًا. وهنا على وجه الخصوص يتراجع دور الوطن في الخارج في ذات الوقت الذي يتراجع فيه دور المواطن في الداخل..
الغموض يلفّنا من الرأس إلى القدم، وهذا ما يؤكد بوضوح أنّ جلّ ما يحتاجه الوطن العربي في المرحلة القادمة هو “ثورة نفسية” قبل أن تكون ثورة اجتماعية مطالبية. فالثورة النفسية مطلوبة جدًا حاليًا لتحقيق تغيير جذري في الذهنية العربية؛؛ أيّ في البنية المعرفية، وفي القيم العليا، وفي المبادئ والأخلاق، وفي إيديولوجية الحياة.
وعندئذ تصبح “الثورات الاجتماعية” وإفرازاتها (شرعية)، بما يعكس الوعي الحقيقي لمطالب الإنسان العربي، وليس (الوعي الزائف) القائم على المحاكاة والتلقين والإذعان المهين..
فما نحتاجه حقيقةً في الوطن العربي الآن وما نرنو إليه حقًّا هو (جنوحًا) عربيًا ووطنيًا على: الجهل، والتخلف، والفقر، والحقد، والحسد، والجهوية، والطائفية، والعنصرية، وجنوحًا أكبر على الأنانية، واحتكار السلطة، وعلى (الفساد) الأخلاقي والمالي والإداري.
نريد تمرّدًا عربيًا أصيلاً على (التطرّف والطائفية)؛؛ على كل من يعتقد أنّ الدين له وحده يحرّم ويحلّل كما يشاء، وعلى كل من يعتقد أنه في الوطن لوحده أو أنّ الوطن له وحده، وعلى كل من يعتقد أنّ رأيه دائمًا هو الأصوب وهو الأوحد والوحيد لا قبله ولا بعده..
لا نريد في هذا العام الجديد وطنًا في القلب وآخرًا للجيب، نريد وطنًا في الفكر والقلب والوجدان سلوكًا وممارسة، بعيدًا عن الفساد والإفساد، فالناموس الأخلاقي العربي والوطني الذي كان سائدًا في العام المنصرم وما قبله من أعوام، إنْ استمرّ سائدًا في هذا العام أيضًا، سيقود في أحسن الظروف إلى القطيعة العربية، وتمزّق النسيج الوطني بين كافة شرائح المجتمع وأطيافه، وسيقود كذلك إلى انهيار البنى التحتية والمنظومة الأخلاقية في أسوأ الظروف، أما الأسوأ على الإطلاق لا أن نكون في نظر الأغيار (أضحوكة) فقط، بل عندما تستحقّ علينا (الشفقة) أيضًا..
نريد وطنًا قلبًا وقالبًا؛ لا نريد أن نصل لمرحلة – لا سمح الله – ونبكي كالبواكي ونقول كما قال معروف الرصافي :-“كان لي وطنٌ أبكي لنكبته، واليوم لا وطنَ لي ولا سكنُ، ولا أرى في بلادٍ كنت أسكنها إلاّ حثالة ناسٍ قاءها الزمن” ..
(الحكمة) تقتضي ألاّ نستهين ببصيص النور حتى لو انبعث من شقّ؛ فرفقًا بنا أيها العام الجديد وكُنْ مختلفًا عمّن سبقوك، أرجوك ..
كل عام والوطن العربي وأردننا بألف خير، عسى أن يكون عامًا جديدًا يحمل السلام والأمن والأمان في طياته للجميع..
وسلامٌ خاص لكِ يا قدس، وكل عام وأنتِ عربية، وعاصمة فلسطين الوفيّة لكِ وللعرب جميعًا…
في اليوم الأول مع بداية هذا العام نتمنى أن تكون بقية الحديث مدعاة للتفاؤل… دمتم…
دة.عصمت حوسوج