لا تفصمنا بما نسمعه منك ونرى عكسه – د.عصمت حوسو – الأردن

0 246

العالم الان – تُعرّف (الاتجاهات) في علم النفس الاجتماعي بأنها تلك القوالب الفكرية والمعرفية التي تحكم سلوك الأفراد وتصرفاتهم، وتحدّد مواقفهم المختلفة من شؤون الحياة والناس، وهي أوتوماتيكية وعفوية؛ كونها نتاج لتراكم التربية، والتجارب، والخبرات، والمعرفة المكتسبة من الحياة، والتعلّم المستمرّ..

وتبدأ إشكالية الاتجاهات عند تعاظم الفجوة بينها وبين الممارسة على أرض الواقع، وفي هذه الحالة على وجه الخصوص -وما أكثرها- ينبثق مفهوم (التناقض المعرفي) أو اللاّانسجام المعرفي الذي يحدث عند تباين الاتجاهات مع الأفعال، فمثلاً نرى كثيرٌ من الناس يُدينون “الفساد” في اتجاهاتهم ولكن أفعالهم تشي بالعكس خصوصًا عندما تتعارض مع مصالحهم، ومن الممكن أيضًا أن نرى اتجاهات أغلبية الأفراد متوافقة مع “حقوق الإنسان” وتفضحهم أفعالهم عندما يمارسون العنف خلف الأبواب الموصدة على زوجاتهم وأولادهم، وعلى ذات الوتيرة نرى كذلك من يتغنّى بحقوق المرأة من الجنسين على حدٍّ سواء وتأتي سلوكاتهم منافية لاتجاهاتهم تمامًا، فنرى الرجل مثلاً مع تلك الحقوق طالما أنها بعيدة عن امرأته ونساء عائلته وأيّ امرأة تخصّه، ونرى المرأة أيضًا التي تطالب بإعطاء المرأة حقوقها وهي ذاتها التي لا تتوانَ عن تحطيم غيرها إن كانت منافسة لها.

لعلّ النماذج السائدة في المجتمع تعكس مثل هذه الحالة من “ازدواجية المعايير” التي تسبّب حالة من الإرباك النفسي للمشاهدين والمستمعين، وتوقعهم في حالة (التناقض المعرفي) الذي عرفناه هنا أعلاه، وقيسوا على منوال ما قلناه هنا في وصف تلك الشريحة في المجتمع -وهم الأغلبية- ما لم نقله، والواقع خير شاهد.

فالمجتمع مُتخم بالمواطنين المصابين بحالة “اللاّانسجامية المعرفية” التي تظهر بجلاء عندما يسمعون عن الشرف والوطنية ويرون العكس..

ولا يلبث المواطن الباحث عن المرونة والتجدّد والتحرّر مواجهة قيود الفكر، ولا يلبث كذلك أن يرى نفسه واقعًا في وحل الهلامية وهشاشة المواقف، وبذلك تأتي النتيجة بمزيد من “التناقض المعرفي” الباعث للقلق، ويقود إلى التردّد بين خيارين لا ثالث لهما: فإما استمرار يبعث على التخبّط والاضطراب، وإما انسحاب بخبرة صادمة تحمل فائدة وتعلّمًا لمن شاء أن يعتبر..

ألا زلتم تسألون إلى الآن عن السبب في ازدياد حالات الاضطرابات النفسية اليوم الناجمة عن حالة التناقض المعرفي التي نعيشها؟!
أليس استهجان عدم الثقة المتجدّدة بين الشعب والحكومات المتعاقبة وبينهم وبين أيّ مواطن يصل إلى الكرسي باتت غير مُبرّرة الآن؟!

ولا بدّ من التنويه هنا أنّه غالبًا ما تترافق الهشاشة المعرفية مع الهشاشة النفسية..

ويكمن الحلّ للخروج من هذا المأزق النفسي الفردي والمجتمعي بأن يتطابق ما نسمعه من المسؤولين وأولي الأمر مع سلوكاتهم، حتى لا نقع ضحايا في فخّ “اللاّانسجام المعرفي”، وتجنبًّا من أن لا نتعلّم إلاّ بعد أن نتألم من هذا الفصام المجتمعي المنتشر بشراسة مدمّرة على جميع الصعد فرديًا وجماعيًا..

وبما أنّنا نعيش في ظلّ مرحلة الخداع العالمي والعربي والمحلّي، لربما أصبح قول الحقيقة وفعلها اليوم يكاد يشابه “العمل الثوري”، ولو أنّنا أنفقنا الطاقة والوقت ذاتهما المستهلكة في إنجاز الأقوال نحو إنجاز الأفعال لما آل حالنا لما نحن عليه الآن..

ونختم بقول الصحابيّ الجليل والقائد العربي (الأحنف بن قيس) بأن “لا خير في قولٍ بلا فعلٍ، ولا في منظرٍ بلا مخبرٍ، ولا في مالٍ بلا جودٍ، ولا في صديقٍ بلا وفاءٍ، ولا في فقهٍ بلا ورعٍ، ولا في صدقةٍ إلاّ بنيّة، ولا في حياةٍ إلاّ بصحةٍ وأمنٍ”..

دائمًا وأبدًا في السلوك الإنساني سيبقى لنا حديثٌ آخر وبقيّة…دمتم…
دة.عصمت حوسو

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد