تعبئة وقلق من الانفجار الوبائي في الهند
العالم الان – بعد أكثر من عام على ظهور جائحة «كوفيد – 19» في الصين، ثم انتقال البؤرة الرئيسية لانتشارها إلى أوروبا ومن بعدها إلى القارة الأميركية، تتجه كل الأنظار اليوم إلى الهند التي يعصف بها الوباء بقسوة لم يشهدها أي بلد آخر حتى الآن، استناداً إلى أرقام الوفيات اليومية والإصابات الجديدة التي تعجز المنظومة الصحية عن استيعابها.
ونبهت منظمة الصحة العالمية، بعد ظهر أمس (الأربعاء)، إلى أن النتائج الأولية للتحاليل المخبرية دلت على أن الطفرة الهندية للفيروس، التي يعتقد أنها سبب الموجة الواسعة للوباء في جنوب آسيا، تحمل تحورات تزيد من سرعة سريانها ومن قدرتها على مقاومة بعض العلاجات، خصوصاً تلك التي تقوم على المضادات أحادية النسيلة.
وفيما تهب دول العالم إلى مساعدة الهند التي باتت تفتقر إلى كل شيء تقريباً في مواجهة هذه الأزمة، من أجهزة التنفس إلى الأكسجين والأدوية والأسرّة في المستشفيات، قالت منظمة الصحة العالمية إن هذا المشهد الوبائي هو الدليل القاطع على أن أحداً لن يكون في منأى عن الفيروس ما لم يكن الجميع في منأى عنه، ودعت مجدداً إلى الإسراع في توزيع اللقاحات على البلدان النامية قبل أن يخرج الوباء كلياً عن السيطرة وتتكاثر طفراته.
وأفاد مركز البيانات العالمية التابع لجامعة أكسفورد، أمس (الأربعاء)، بأن المعدل التراكمي للإصابات الجديدة في الهند خلال الأسبوعين الماضيين ما زال دون 300 إصابة لكل مائة ألف مواطن، لكنه نبه إلى أن الهند التي يزيد عدد سكانها على 1.3 مليار نسمة هي بحجم قارة، وأن القدرات التشخيصية لمنظومتها الصحية محدودة جداً، وبالتالي فإن العدد الفعلي للإصابات والوفيات قد يكون أضعاف الأرقام الرسمية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد فعّل آلية الحماية المدنية المخصصة لحالات الطوارئ الدولية، وباشر بتنسيق المساعدات من الدول الأعضاء لإرسال المستلزمات الطبية إلى الهند التي ينتظر أن تصل قبل نهاية الأسبوع الجاري. وقال ناطق بلسان المفوضية الأوروبية، أمس (الأربعاء)، إن دولاً عدة، مثل آيرلندا وبلجيكا ورومانيا ولوكسمبورغ والسويد وإسبانيا والبرتغال قد تبرعت بمولدات للأكسجين وأجهزة للتنفس وأدوية مضادة للفيروسات، وأن كميات أخرى كبيرة من المساعدات يجري توضيبها في ألمانيا وفرنسا.
وقالت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين: «نشعر بقلق كبير إزاء الوضع الوبائي في الهند، ونعمل على تقديم المساعدات بأقصى سرعة ممكنة إلى الشعب الهندي في هذه الظروف الحرجة»، وأضافت أن المركز الأوروبي لتنسيق الاستجابة في الطوارئ هو الذي يتولى منذ بداية هذا الأسبوع الإجراءات اللوجيستية لنقل المساعدات عن طريق جسر جوي بين أوروبا والهند.
من جهتها، قالت منظمة «أطباء بلا حدود» إن المنظومة الصحية في الهند لديها ما يكفي من الموارد البشرية، لكنها بأمسّ الحاجة إلى كل مساعدة مادية وتقنية ممكنة، إذ تعاني من عجز كبير في أجهزة التنفس والأكسجين والأدوية والمستلزمات الطبية.
بدوره، ذكر مايكل رايان، مدير برنامج الطوارئ في منظمة الصحة العالمية والمنسق الدولي لمكافحة الأزمة: «كوفيد – 19 جائحة عالمية، وبالتالي فإن السيطرة عليها في بلد معين لا تعني القضاء عليها في العالم ومنع انتشارها مجدداً». وحذر رايان من أن تعثر حملات التلقيح وتأخر وصول اللقاحات إلى البلدان النامية من شأنه أن يزيد من احتمالات ظهور المزيد من الطفرات الفيروسية التي بدورها تجعل جهود المكافحة أكثر صعوبة وتعقيداً.
ودعت منظمة الصحة الدول الغنية، التي تستأثر عشر منها بما يزيد على 75 في المائة من اللقاحات في العالم حالياً، إلى المباشرة بمنح ما يفيض عنها من لقاحات إلى الدول الفقيرة، خشية من عودة «القومية الوبائية» إلى الظهور مجدداً. ويشير خبراء المنظمة إلى أن أحد الأسباب المؤدية إلى التأخير الكبير الذي يعاني منه برنامج «كوفاكس» لتحقيق الأهداف التي وضعها لهذا العام، هو قرار الهند تجميد تصدير اللقاحات من أجل استخدامها في حملتها الوطنية. وتجدر الإشارة إلى أن الهند كانت حتى مطلع العام الجاري أول منتج للقاحات قبل أن تتقدم عليها الصين والولايات المتحدة.
وتفيد بيانات برنامج «كوفاكس» بأن عدد الجرعات الموزعة حتى الآن على البلدان الفقيرة والأقل نمواً لم يتجاوز 52 مليوناً من أصل ملياري جرعة من المقرر توزيعها حتى نهاية هذا العام. لكن يعتقد خبراء البرنامج أن وتيرة التوزيع ستتسارع اعتباراً من الآن، على غرار ما حصل في أوروبا، لكنهم يشددون على ضرورة توفير الموارد المالية المتبقية، والمقدرة بملياري دولار، لتأمين شراء الجرعات الكافية.
وحذرت منظمة الصحة من أن الحالة الهندية قد تتكرر في مناطق أخرى من العالم، إذا تأخر توزيع اللقاحات وتراخت الدول في تطبيق تدابير الوقاية. وفي انتظار معرفة نتائج التحاليل الجارية لتحديد مواصفات الطفرة الهندية، دعا المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها إلى تكثيف جهود تعقب الإصابات للوافدين من الهند خلال الأسابيع الأخيرة وإجراء التسلسل الوراثي للفيروس، بعد أن تأكد وجود هذه الطفرة في 22 دولة أوروبية.