تأثير المشكلات الأسرية على نفسية الطفل وسلوكياته- بقلم أ.رامي عادل عبيد

0 679

العالم الان –  حينما يتعلق الأمر بالطفل فهذا لوحده عالم مليء بالسيكولوجية، والبيئة التي ينمو فيها الطفل تلعب دوراً في صقل شخصيته وضبط تذبذبات نفسيته، وكون الطفل هو مهد المستقبل فإنّ هذا الطفل يُعبر عن حياةٍ يجب دراستها من شتى الجوانب العلمية والتربوية، ومن خطوط المفهوم السلوكي والنفسي سنحاول أن نتعرف على إجابة التساؤل الذي هو “هل تؤثر المشاكل الأسرية على نفسية الطفل وسلوكيه؟” ونحاول هنا معرفة الغموض المخفي وراء هذا التساؤل.
ينشأ الطفل داخل أسرة تُنعش نموه ومن خلال الأسرة يكتسب الطفل السلوك ونظرته للحياة، وقبل الإجابة عن التساؤل يجب تحديد مفاهيم بعض النقاط فمثلاً يقصد بالطفل طبقاً للقانون واتفاقيات حقوق الطفل بأنه كل من يبلغ من العمر أقل من ثمانية عشر عاماً وهذا ما يؤكده ولا يختلف عليه التشريع الدولي، وبعد تحديد مفهوم الطفل يجب أن نُعرف مفهوم المشاكل الأسرية وهو متعددة الأوجه ويمكن تعريفها بأنّها المواقف والمسائل الحرجة المحيرة التي تواجه الفرد فتتطلب منه حلاً، وتقلل من حيويته وفاعليته وإنتاجه ومن درجة تكيفه مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه، ويرى البعض بأنّه مفهوم يطلق على مشاعر وأحاسيس الفرد التي تتمثل في الضيق والقلق والتردد إزاء علاقته مع الآخرين في المنزل وفي الصحبة وفي المدرسة، حيث تفتقر هذه العلاقات إلى الدفء والصراحة والمحبة المتبادلة.
وكون الطفل مهد الدراسات التربوية والنفسية فإنّ العلماء سيسعوا إلى وضع المعايير الأساسية التي تؤثر على سلوك ونفسية الطفل، وبناءً على قيمة الطفل فإنّ مدرسة التحليل النفسي ترى بأنّ الطفل يعبر عن حوافزه وحاجاته تعبيراً أنانياً للحصول على هذه الحاجات، ويتم ذلك على أساس الحصول على اللذة وتجنب الألم دون النظر إلى المعايير والقيم الأخلاقية السائـدة، وأن السنوات الأولى من حياة الطفل هي الأساس الذي تبنى عليه شخصية الفرد في المستقبل وتحدد تصـرفاته ونمط سلوكه واهتماماته العقلية واتجاهاته الانفعالية، فإذا لم يتم تدريب الطفل بتعليمه وبتربيته على الوجه المتزن سينشئ سوء التوافق وسوء الصحة النفسية والسلوك المعادي للمجتمع،فتنشئة الطفل نفسياً ورعايته في المرحلة الأولى من حياته لها أثر بالغ في تاريخه السلوكي فيما بعد، فإذا لم يقم بها الوالدان أو القائمان على شؤون الطفل على أسس سليمة من الصحة النفسية، فإنها سوف تؤدي به إلى مسالك خطيرة لا يستطيع االتخلص منها في المستقبل.
لا يعتبر استمرار الحياة الزوجية مع قيام حالة من التوتر العنيف بين الزوجين خيراً مطلقاً، نظراً لما يعود به هذا التوتر من آثار سلبية على نفسية الطفل وتكوينه الطبيعي، وقد أبدت الدارسات الخاصة بمشكلات الأسرة اهتماماً ملحوظاً بمشكلات عدم توافق الشخصية داخل الأسرة وبمدى خطورة هذا النوع من الأسر على شخصـية الطفـل، حيث استخلص كل من “هيلي” و”برونر” من الدراسة التي قاما بها أن المشاجرات المستمرة فـي الأسـرة مـن الأسباب التي تؤدي إلى الجناح وما يرتبط به من سلوك منحرف، وقد أكد “هيلي” بعد ذلك أن في الكثير من حالات الجناح، كانت العوامل العميقة التي تختفي وراء الخبرات الانفعالية للأطفال الجانحين تتمثل في عدم رضائهم عـن العلاقات الأسرية، وتظهر آثار الخلاف بين الزوجين حول القيم والمعايير الأساسية في واحدة أو أكثر من الصور التالية : تنازع الولاء داخل الأسرة، يؤدي بالطفل إزاء الضغوط الانفعالية التي يعانيها نتيجة للتوتر العنيف بين الوالدين إلى الانتماء إلى أحد المعسكرين دون الآخر، أو ينقسم الأولاد على أنفسهم، بعضهم في صف الوالدة، وبعضهم في صف الوالد، أو يقفون جميعاً على الحياد إن كانوا يعقلون، خيبة أمل الطفل في مصدر السلطة وهو الأب، ومظهر العطف وهي الأم، يدفعه إلى الانتماء للعصـابات التـي يجد بينها الإشباع العاطفي الذي يفقده في أسرته، ويتعرض الطفل وخاصة في المراهقة إلى حالات خطيرة مـن الانحلال الخلقي لانعدام الضابط الخلقي واهتزاز المثل العليا و القيم الأخلاقية في محيط أسرته.
في مثل هذا المنزل يهمل شأن الطفل ويكون دائماً تحت ضغط الوالد أو الوالدين، ومن هنا يشعر الطفل بـالقلق والعداء والحيرة والحرمان، وتتكون لديه البوادر التي تجعل منه خارجاً عن قواعد المجتمع مستقبلاً، لأن علاقة الطفل النفسية بالأسرة تقتضي تلبية الحاجات النفسية، وأهم هذه الحاجات تقوم على الصلة العاطفية بين الطفـل ووالديه، وقد أثبتت الاختبارات أن هذا الأخير إذا تعذر عليه إقامة علاقات عاطفية مع والديه فإنه يتعذر عليـه إقامة علاقات اجتماعية مع الغير بعد ذلك.

ومن أسباب تمزق حياة الطفل الداخلية وجود النـزاع الظاهر بين الأبوين اللذان يعيشان معاً، وحتـى الخلافـات الأبوية التي يظن الأبوان أنها خافية على الأطفال تسبب لهم اضطراباً عنيفاً، يذكر البروفيسور”تشارلز كوتر” أن من بين الأسر المتصدعة تلك التي تكون فيها العلاقات غير مستقرة بسبب الحكم أو عدم الرعاية والاهتمام أو الصرامة والإهمال، وهناك مجموعة من العمليات و التفاعلات الخاطئة التي ترتكبها الأسرة ولها انعكاساتها في ظهور أسر غيـر سوية ومريضة، حيث تترك آثار سيئة لدى الأطفال، ويمكن القول أنها عمليات مولدة للمرض داخل الأسرة، ومـن بين هذه العمليات نذكر عملية ” اتخاذ كبش فداء في الأسرة” والمقصود به استغلال أحد الأبناء لصـالح تـوترات الوالدين لتفريغ شحناتهم الانفعالية نظراً لعدم تمكن الوالدين وعدم استطاعتهما للتعبير عن مشاعر كل منهمـا نحـو الآخر، ولذلك فهذا الطفل يكون الحل الذي تتجه إليه الانتقادات و المشاعر السالبة لكل والد نحو الوالد الآخـر، ومن هنا فإن نقد الأم لطفلها على الأرجح يعبر عن عدم رضاها عن حال زوجها، وفي هذا الحال وجب على الطفـل أن يتدرب على تحمل القسوة وأن يكون متسامحاً عند توجيه النقد إليه، فأفراد الأسرة قد يؤنبونه أو يعاقبونـه، وبهـذا ينخفض التوتر في النسق ويعود إلى حالة الاتزان، إذن فهذا التنازل من طرف الابن هو الذي يخفـض التـوترات لأعضاء الأسرة، و لكنه مقابل ذلك يتحمل العبء الأكبر لأغلب المواقف ويدفع ثمن التفاعلات الشاذة لفترة طويلة،من بين هذه العمليات كذلك عملية “إحداث التكتلات داخل الأسرة” ويقصد بـذلك وجــود انقسـامات أو مجموعات أو فرق، فالأم قد تأخذ إلى جانبها بعض الأبناء ويشكلون تحالفاً في مقابل تحالف الأب مع أبناء غيرهم، وقد ينجح أحد الوالدين في الاستحواذ على عاطفة واهتمام الأبناء جميعاًفي صراعه معه الوالد الآخر، والطفل هنـا عليه أن يتحمل الكثير من جراء ذلك، وهنا يكون الطفل صريعاً وغالباً يمرض نظـراً لأن مصـادره العاطفيــة تستنزف، وهكذا نجد الإجابة على التساؤل” هل تؤثر المشاكل الأسرية على نفسية الطفل وسلوكيه؟” هي نعم منذ الوهلة الأولى ولكن من خلال هذه المعلومات تم التعرف على الإجابة بصورة دقيقة ومثالية.
الأسرة التي يعيش بها الطفل بحاجة لدراسة عميقة، لأنّ أي خلل داخل الأسرة يؤدي إلى التأثير على الطفل سلبياً، والمعروف بأن الطفل عبارة عن مستقبل للظروف المحيطة، فالمشاكل الأسرية جعلت مأساته في سلوك الطفل ونفسيته، وعندما نقول بأنّ الطفل مستقبل ويأخذ ما يحيطه، ليس فقط من خلال السلوك وإنّما من خلال السيكولوجية التي تزوده بالحزن أو بالفرح، باليأس أو المرح، الشر أو الخير، بالجريمة أو الفضيلة ولهذا فإنّ التساؤل كشف عن خفايا جعلتنا ندرك كيف نتعامل مع الأطفال داخل الأسرة.

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد