لبنان: عاملات أجنبيات يشكين من الضرب والسب والتهديد مع غياب الحماية القانونية

0 1٬100

العالم الآن – لأكثر من ساعة تحدثت “ليزا” بالتفصيل عن الإهانات التي كانت تتعرض لها أثناء عملها اليومي في بيت الـ “مدام” السابقة على مدار شهرين.

كان كسر كوب زجاج – دون قصد – سببا كافيا لشتمها وخصم راتبها، كما تقول.

تتذكر ليزا، وهذا اسمها المستعار، أنها كانت توصف بالـ “كاذبة”، وتتعرض للضرب على الرأس والمعدة، ولا يسمح لها بتناول الطعام المطبوخ مع العائلة.

لائحة الإهانات طويلة، يضاف إليها تهديدها بإرسالها إلى المخفر إن سرقت، وتذكيرها دائما بأن الكل يكرهها و “لا يستطيع النظر إلى وجهها”.

جاءت ليزا (20 عاما) من غانا لتعمل في خدمة تنظيف البيوت في لبنان كي ترسل راتبها لإعانة عائلتها وليستمر أخوتها الأصغر منها بالدراسة، كما تقول لبي بي سي.

ورغم ما مرت به في بيت أصحاب العمل السابقين، كان يصعب عليها التقدم بشكوى ضدهم للحصول على حقها فجوهر مشكلة العاملات المنزليات الأجنبيات في لبنان أنهن لا يخضعن لقانون العمل، بل لنظام الكفالة.

“المشكلة أنهن غير قادرات على الوصول إلى العدالة، وقضيتهن ليست على رادار أحد”، حسب غادة جبّور، مسؤولة قسم مكافحة استغلال النساء والاتجار بهن في منظمة “كفى”.

لكن وزارة العمل تقول إنه تمت صياغة مسودة قانون جديد، وإن أقرها البرلمان فيمكن أن يرى النور قانون سيكون الأول من نوعه في لبنان لوضع حد لنظام الكفالة الذي يربط العاملة بكفيلها.

كانت ليزا تعمل على تنظيف بيتين في الوقت ذاته؛ بيت صاحبة العمل (المعروفة محليا بـ المدام) وبيت أم صاحبة العمل أيضا، بحيث تبقى مشغولة بالتنظيف طوال أيام الأسبوع.

يبدو من حديثها أن جوا من التوتر الدائم بينها وبين الزوجين كان طاغيا على البيت، إضافة إلى عدم الثقة بها، لكنها ورغم قولها إنها تعرضت للعنف كان يصعب عليها اللجوء لجهة رسمية للمطالبة بالحماية.

تقول غادة جبور من منظمة “كفى” إن أول عائق يواجه العاملة هو “عدم قدرتها على الحديث بالعربية، يليه عقلية الشرطة التي لا تكترث غالبا بشكوى العاملة وتطلب منها العودة للبيت، كما أنها إن تركت البيت فتصبح في وضع غير قانوني لأنها غالبا ستكون بلا جواز سفر أو وثائق شخصية تخولها التقدم بشكوى لأن صاحل العمل يصادر أحيانا هذه المستندات”.

ما تعرضت له ليزا في عملها ليس أمرا غير مألوف في لبنان؛ فكثير من المنظمات الحقوقية، وجمعيات المجتمع المدني ووسائل الإعلام توثق – منذ سنوات – قصصا عن انتهاكات مماثلة، وتتظاهر العاملات سنويا في عيد العمال للمطالبة بحقوقهن.

وكان آخر هذه الوقفات يوم 23 سبتمبر/أيلول عندما نظمت “حركة مناهضة العنصرية في لبنان” وقفة لإحياء ذكرى عاملة منزلية تدعى “لمبيبو” قالت إنها “قتلت هي وجنينها في ظروف غامضة”.

تعمل ليزا الآن في شروط “أفضل” بعد أن أرسلها مكتب الاستقدام إلى بيت آخر للعمل فيه، إلا أن كثيرا من العاملات المنزليات الأجنبيات لا يزلن يعشن ظروفا صعبة.

وصل عدد العاملات المنزليات المسجلات رسميا عام 2017 في لبنان إلى نحو 180ألف عاملة، وفقا لأرقام وزارة العمل؛ أغلبهن قادمات من أثيوبيا ثم من الفلبين وبنغلادش.

ولكن بعض الجمعيات تقدر عددهن في البلد بـ 250 ألفا بعد إضافة العاملات اللواتي يعملن بطريقة غير نظامية.

علما أن لبنان ليس البلد الوحيد في المنطقة الذي يفرض نظام كفالة العاملات الأجنبيات.

ومن المقرر أن يصدر المغرب بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول أول قانون يتعلق بخدمة المنازل.

وتقول مارلين عطاالله، رئيسة دائرة مراقبة عمل الأجانب في وزارة العمل اللبنانية، إن لبنان اتخذ بعض التدابير لمنع الاستغلال “ولحماية مصلحة كل من العاملة وصاحب العمل”.

وتوضح أنه تم اعتماد عقد عمل موحد، حدد شروط العمل وهو مطبق حاليا لكنه “ليس عقدا مثاليا”، لذا فالعمل الآن جار لصياغة عقود عمل نموذجية تكتب باللغة العربية والإنجليزية ولغة بلد العاملة، تتضمن كل تفاصيل العمل لتكون العاملة واعية تماما عند اتخاذ قرارها، وفقا لمارلين عطالله.

لكن يبدو أن هناك فجوة بين ما تطالب به الجمعيات وبين ما تم تحقيقه حتى اليوم.

ما تريده الجمعيات، وفقا لغادة جبّور، أن يتضمن القانون الجديد إمكانية فسخ العاملة لعقد العمل، وأن يكون العقد بلغة تفهمها، وتحديد الحد الأدنى من الأجر، والحق بأن تستأجر إن لم تشأ العيش في البيت مع العائلة، وأن يكون هناك إطار واضح في حال عاشت مع العائلة، وعدم حجز جواز السفر، وعدم التأخر بدفع الراتب.

في حين أن “ارتفاع نسبة الوعي” – أي أن أصحاب العمل أصبحوا أكثر حذرا عند التعامل مع العاملات – هو كل ما تم تحقيقه حتى اليوم، وفقا لجبّور.

لكن مارلين عطاالله، من وزارة العمل، قالت لبي بي سي إنه تمت “صياغة مشروع قانون يهدف إلى تأمين عمل لائق للخدمة المنزلية، وينتظر إقراره في البرلمان”، دون أن تحدد موعدا لذلك.

كما قالت إن الوزارة تسعى لتوقيع مذكرات تفاهم مع الدول المعنية.

وترجع المسؤولة في وزارة العمل التأخر في توقيع مثل هذه الاتفاقات إلى ضرورة الحصول على تواقيع عدد من الوزارات اللبنانية، في حين أن الحكومة اللبنانية الآن حكومة تصريف أعمال، وإلى تغير حكومات البلدان المعنية بسبب تعاقب السنين.

وأوضحت أن جزءا من الحل يكون بفك ارتباط العاملة وصاحب العمل وذلك عبر نقل مهمة التوظيف إلى شركات التنظيف، لذا لا بد من وضع آلية تمنع استغلال العاملات من قبل هذه الشركات.

الشائع جدا لدى كثير من العائلات اللبنانية في مختلف المدن والمنتمية لمختلف الطبقات الاجتماعية توظيف عاملات أجنبيات تتراوح أجورهن بين 150 – 400 دولار شهريا.

ومألوف جدا في لبنان رؤية العاملة الأجنبية برفقة العائلة في كل مكان تقريبا.

ومع ذلك، ألصق كثير من “الصور النمطية المغلوطة” بهؤلاء الشابات.

“النظرة العامة الشائعة والمغلوطة هي أنهن قاصرات، لا يفهمن شيئا، ولا يفكرن إلا بإقامة علاقات مع كثير من رجال”، تقول غادة جبّور، وتضيف: “لكن هناك لبنانيات كثيرات يعشن في الخارج و يعملن، ولا نعتبر أنهن لا يفهمن شيئا حتى وإن كن لا يتكلمن لغة البلد الأجنبي”.

“وزارة العمل متنصلة من صلاحياتها التي وضعتها بيد وكالات (تستقدم عاملات) صغيرة. هذه أكبر قوة عاملة نسائية في لبنان.. وتفوق قطاع المعلمات”، كما تقول جبّور ” BBC “

مقالات ذات الصلة

اترك رد