الهوية الأردنية كانت “جامعة” وما زالت؛؛ د.عصمت حوسو – الأردن
العالم الان – هناك في (فلسطين) وُلدِتْ،، وهنا في (الأردن) وُلِدَتْ فيّي، في فلسطين ترعرعت، وفي شوارع عمّان ترعرع حُبّ الأردن في قلبي. وإن كنت في الأردن بكيت وتألّمت وحزنت وحتى فقدت، ولكنني أيضًا فيها فرحت وضحكت وحقّقت ذاتي ومُرادي واستمتعت بإنجازاتي، والأهم أنني فيها تطابقت مع وطني الآخر بمسافة مداها التاريخ (ووحدة) وشائجها كل شيء..
الأردن أعيش فيها وأنتمي إليها، وأعمل كُلّ ما بوسعي لحمايتها، وفلسطين تعيش فيّي، وآمل بتحريرها وعودة الأرواح إليها..
كلاهما توأمة بجينات مُتطابقة، وطنان من رحمٍ واحد: رحم (الشام) العظيمة، شام المُستحيل، وما أجمل الشام !! فلولا الشام ما ابتدأ الزمن العربيّ وما انطفأ الزمن الهمجيّ..
إنّ أجمل ما في تلك التوأمة السيامية استقلالية شخصية وكيان كُلّ مِنهما عن الأُخرى، فجيناتهما المُتطابقة الخارجة من ذات الرحم لم ولن تلغي استقلالهما أو وجود أحدهما على حساب الأُخرى، ذوبان تلك التوأمة في بعضهما البعض هو ذوبان (وجود) لا ذوبان (حدود)، شاء من شاء وأبى من أبى من ذلك الكيان الغاصب الجاثم الجانح الحاقد وأتباعه وعُملائه الأنجاس.
فأنّى أن ينزعوا مني حُبّ أحدهما: وطنٌ عاش فيّي، ووطن عشت فيه؛ في شراييني وعروقي يسري عشقي للقُدس العربية، وأنتمي للأردن كما أنتمي لفلسطين وكُلّي فخر..
حُبّ أُمّنا جميعًا (الشام) الحنون وسِماتها الفاخرة (الوطنية والقومية)، لا يتجسّد في رجل واحد، ولا في فِكرِه أو عقيدتِه أو حتى منصبِه، كما أنه لا يتوقّف عند حفنة من الرجال والنساء وينتهي بانتهائهم. بل إنّ ذلك الحُبّ مُتأصّل ومُتجذّر في إيديولوجية وعقيدة راسخة تتعدى الجنس والدين والجنسية، ولا تستطيع أيّة قوة في العالم تحطيمها أو شرذمتها مهما حاول الخاسئون ومهما وسوس الشياطين المُتصهينون الطامعون؛ لأنّ توأم (الوحدة الفلسطينية الأردنية) ببساطة شديدة قد تعدّت حدود الزمان والمكان، وقاومت لعقود طويلة إلى الآن السوس الذي يحاول نخر نسيج وحدتهما الوطنية من الطرفين دون استثناء، وطالما تلك الوحدة الفاخرة تعدّت حدود الشخوص فهي حتمًا لم ولن تنتهي بانتهائهم، فمناعتها عصيّة جدًا على الاختراق..
إنّ الدعوات الإقليمية القبيحة التي يعزف على وترها الآن (قرون) صفقة القرن بمسميّات مختلفة من ضمنها المسمّى الأخير (الطازة) بعنوان “الهوية الجامعة”، تعوق تعاضد الشعوب العربية – والشعبين التوأمين (الأردني والفلسطيني)على وجه الخصوص- في جبهة مُوحّدة لِتُعادي الصهيونية والامبريالية وأنذالهم، فكل من يحمل “الرقم الوطني” هو أردني حكمًا دون مزاودة، وله الحقوق ذاتها وعليه ذات الواجبات، حتى وإن اختار البقاء على أرض الأردن فهذا لا ولن ينفِ حقه في فلسطين، ولن يلغي إيمانه المطلق بتحريرها وحق العودة له ولجميع فلسطينيّي الشتات الذين هُجّروا من أراضيهم وبيوتهم قسرًا لا طوعًا، وإن كانت الحجج الواهية التي أخرجتهم من ديارهم في يوم النكبة والنكسة قد نجحت آنذاك فهي حتمًا لن تنجح في الوقت الحالي؛ لأنّ وعي الإنسان العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص قد تبلور وتضاعف عما سبق، ولم يعُد قابلاً (للكيّ) مرة ثالثة كما حدث في المرة الأولى “النكبة” وفي المرة الثانية “النكسة”، ونستحضر هنا مقولة كارل ماركس التاريخية ” التاريخ يُعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي المرة الثانية كمهزلة”، وهنا لن يسمح الشعب الفلسطيني الجبّار ولا الأحرار من الأمة العربية بإعادة التاريخ بمهازل جديدة على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وعلى رأسها حق العودة والتعويض، فهذه من المسلّمات في عقيدة الفلسطينيين والشرفاء من الأمّة..
وعليه، ولمواجهة المحاولات البائسة والمكشوفة لتصفية القضية الفلسطينية والمضيّ نحو مشروع “التوطين” على حساب أرواح الشهداء وتضحياتهم؛ فإنّ أول ما يجب علينا جميعًا فِعله في الوقت الحالي هو (إيقاظ) الشعور بالوطنية الحقيقية من “سُباتها” العميق، وإعادة الإيمان بوحدة الأُمّة، فوجود حقوق “المواطنة” لا يتناقض مع وجود الشعور بالوطنية لكلا الوطنين: الأردن وفلسطين، ولا ينفِ كذلك الاحتفاظ بالهوية السياسية والنضالية الفلسطينية إلى أن تتحرّر.
وللتوكيد على ما سبق، أعود لأؤكد مرة أخرى وربما مرات كثيرة على أنني أتمتع بهويتي الفرعية كإمرأة، وهويتي الفرعية كعربية، وهويتي الفرعية كمسلمة، تحت مظلة الهوية الأردنية الجامعة- حيث كانت جامعة وما زالت- كمواطنة أردنية من أصول فلسطينية وكلّي فخر، ولن ينزع أحدٌ مني أيّ من الهويتين، عشت وسأعيش على تراب الأردن ما حييت ولن أتنازل عن شبر من أرض فلسطين..
وهذه الوحدة التي لا يُمكن لها أن تتحقّق بأيّ حال من الأحوال بحشد القوى فحسب، أو تقسيم المجتمع إلى شعبين مُتعاديين في الداخل وننسى أعداءنا الحقيقيين في الخارج، بل من خلال إيجاد نهج حياة جديد ومواطنة حقيقية “غير منقوصة” لكل الأردنيين على اختلاف أصولهم ومنابتهم، فهذا فقط ما يُولّد قوى جديدة مُتماسكة ومُتعاضدة تفوق الجموع المُتفرّقة المُتناحرة لا لصالح أحد إلاّ لصالح مطامع العدو الحقيقي (الصهيوني) الغاصب الغاشم؛ فللأوطان في دم كُلّ حُرٍ، يدٌ سَلَفت و ديْنٌ مُستَحقّ، فيا للضمائر والقلوب الآثمة، سيسطّر التاريخ فصلًا أسودًا؛ فعارالفرقة داخل الوطن أو محاولات بيعه باقٍ للأبد..
ولتجّار الأوطان ومتاجري القضية الفلسطينية وللعنصرية أيضًا أقول؛ أنا عربية وتلك حروف هويتي، فلتنظروها في جبيني أوسمة، وسأظلّ أقول أنا فلسطين وأنا الأردن ولن أندم، وسيبقى حُبّ فلسطين والأردن بقلبي والله يعلم، ولو كان قلبكم الحاقد يدرك حبّي للأردن كحبّي لفلسطين بالتأكيد لتحطّم، أحببتهما بروحي وبدمي، فلا يوجد في الدنيا من حُبّهما أعظم..
أقولها بكل اقتناع، بعرضٍ وطول وارتفاع، هذا صوتي حتى موتي: “أصولي فلسطينية حتى النخاع، وأحبّ الأردن بكُلّ احترام واقتناع؛ فأنا امرأة عربية قومية من بلاد الشام، بكُلّ شموخ وسموّ وترفّع وامتناع، عن كُلّ أذى تتعرّض له أُمتي العربية الشمخاء، وأوطاني الغرّاء (الأردن وفلسطين)..
وفي الخِتام أقول للخاسئين ذوي القلوب الحُبلى بالعنصرية البغيضة والمفاهيم الصهيونية المغلوطة، لسنا جميعًا (أردنيين وفلسطينيين) على استعداد اليوم لمواجهات خاسرة أو حروب طاحنة أو حتى سقطات جديدة تُضاف إلى تاريخنا المُعاصر المُخزي، وأقول لحكومتنا الرشيدة وإلى لجنة تحديث المنظومة السياسية؛؛ لسنا مستعدّين كذلك لدخول (امتحانات مصيرية) دون إعداد دراسي واثق جدًا وجدًا..
لا أتمنّى على الإطلاق أن يكون لي من الحديث عن قباحة العنصرية والمتاجرة في القضية الفلسطينية بقيّة، أما في الوحدة الوطنية وبحقّ العودة حتمًا سيكون لي دومًا حديثٌ آخر وبقية… دمتم….
دة. عصمت حوسو