كِفاحُ مُزارعةٍ وفيّة عِصامية بقلم من أماني سباتين
العالم الان – حياتها:
فاطمة رشيد هي إحدى أمهات قرية حوسان التي عانت مر الآلام والفقر المقدع الذي تعايش معها خلال طول لحظاتِ حياتها. وقد ولدت الحاجّة أُم عماد – كما هو متعارفٌ عليها – سنة 1954 للميلاد ودام زواجها من زوجها داهود 14 عاماً فقط؛ ليرحلَ عنها باكراً ويتركها تحمُّل مسؤوليةِ أطفالهما الثمانية الصغار؛ فخبّرتنا بقولِها :”كنت اشتغل طول اليوم وانام على ساعة واحدة” فلم تكن الحياةَيسيرَةً معها مِنْ بداية مسيرتها في الصِّراعِ مِنْ فقرٍ تُجابهِهُ لظروف أهلها الصَّعبةِ وغير القادرةِ على كفالتها بأطفالها وأهلها ومتطلباتهم.
طبيعة أعمالها
بدأَت أُولى أعمالِها كآذِنَةٍ فِي مدرسةِ بنات حوسان الثانوية القريبةِ من منزِلها الكائنِ في البلدة، وحينَ ينهي أولادها دوامهم المدرسيّ تَهمُّ وتحرِصُ على أن توصِلَهُم للبيت وتعود على عجلة من أمرها للرعي وجني الثمار في أرضها الزراعية في منطقة عين الهوية حوسان التي تركها لها زوجها من بعدِهِ، وهي إحدى الأراضي السهلةِ المليئة التي كان الفلاحون يحصدونها بعد زراعتها لبيعها للمتجارِ وَمحالِ الخضارِ إصافَةً للمدن المجاورة لتكفيهم قوتَ أيامِهم، والحاجّة فاطمة هي من هؤلاءِ الفلاحين الذين يجولونَ خارج القرية لبيع العديد من محاصيلها الزراعية ومنها: اللفت والنعناع والصنوبر والبقدونس والتين والعنب والكرز واللوز .. ، وكانَ مُعظَمُ هذا البيعِ في غالِبهِ يتمركزُ بإنشاءِ بسطةٍ في مدينة بيت لحم التي تعد من أقرَب المدن من قرية حوسان، وبزيِّها الفلسطينيّ التقليديّ الذي يعتبر رمزاً لها من رموز التراث الفلسطيني وتعريفاً بأصالة المرأة الفلسطينية الذي يعبّر عن شخصيتها القويّة المتأصلَةِ الثابتة تَجلِسُ مُصدِحةً بصوتِها العَذبِ مناديةً للزبائن والمشتريين.
هذه الحاجّة التي كانت تخرجُ في الصباح الباكر منتظرةً سيارة الأجرة “التكاسي” والمطر ينهمر ويجوب الشوارع يبلِلُ هِندامَها عند انتظارِها مواصلاتُ حوسان – بيت لحم ؛ حتى يَصلَ صاحِب سيارة الأجرة وتوصيهِ” باللهِ عليك يا بنيّ لا تطول علي انبليت من المي يا الله شو انها مشتية. .
المعاناة في بيع ثمار محصوله::
لم تكتفِ الحاجّة ام عماد تحمًل عناء الوصول للبيع في بيت لحم فقط ، بل وصل معها الأمرُ من ضيقِ الحالِ أن تعبر القدس أيضاً وتجُرَّ معها ذكرياتِ عناء ذلك الطريقِ ومعاناتها عند وصولها معبر 300، ليبدأ روتينُ الممارسات الاضطهادية الاحتلالية والمجندات ذوات الأسلوب البذيء معها على حدِّ وصفها؛ فتسرِدُ لنا من بعض ما حدث معها من استهزاءِ الصهاينةِ بمهنتِها واحتقارها “شو بدكم تبيعوا في القدس كم حبة خيار وبندورة، ومن راح يشتري من بضاعتكم” والشتائم التي يَصعُب الإفصاحُ عنها،
والحوادِثُ المتكررةُ في إرجاعهم من على المعبرِ هي وصديقاتها من جارتها المزارعات كأم نمر حمدي وام رأفت بعد تدقيقِ الجنود المسؤولة للتصاريح وبدونِ سبب يقولون لهم” روحوا تصاريحكم مش طالعة روحوا عبيوتكم”. ولكنها في معظم المراتِ كانت تجادلهم وتعارِكهم مُصرَةٌ على حقها في العمل، والبيعِ في باب العمود ،لياتوا لهم ويصادروا بسطاتنا وهي تقول: “صادروا بسطاتنا وحرمونا من حقنا ونترزق والله يبعدهم عنا” ، وشرحت ضروباً من الامثلة المشابهة للحدث الواقع معها.
وعادت وجابتهم واخذتها للبسطة ولم تكن ام عماد تطعُرُ منهم ومن اسلحتهم الفتاكة التي اذا ضرمت العظام فتكته كالرماد وردت عليهم في مرةٍ وقالت لهم :”هاي البسطة الي وما دلكمش دخل بدي ابيع واصرف على اولادي”
اليوم ام عماد مُتقاعدة عن عملها كآذنة ومستمرة بجني المحاصيل الزراعية وكبرت أولادها وجوزتهم كلهم فوق منزلها و أم عماد دخلتهم المدارس والجامعات ودرستهم وانشئوا مطبعة باسمهم مطبعة راما متواجدةَ في مطينة حوسان وتشعر ان المرأة قوية بثابتها في استمرارية صبرها لكل شتى المعاناة التي تتعرض لها المرآة ووضحت بقولها:” انا ما حدا شالني شلت حالي بأيدي وما ستنيت حدا”
وما زالت المرأة الفلسطينيةُ عصاميةٌ مُساندةٌ ورفيقة كفاح الرجل في مثابرتها ومواجهتها لشتى الظروف وتوفير لقمة العيش.