كتب محمود الدباس.. مؤسسة الاذاعة والتلفزيون.. هل في خصخصتها الحل؟!..
العالم الان – سؤال راودني مرارا ومنذ مدة.. فتارة بنكهة الالم والحسرة التي تصاحب الغصة في الصدر.. لواقع الحال.. وتارة بشعور السعادة والفرح.. لما سيؤدي هذا الاقتراح من انفراج على الموظفين الذين يستحقون ما هو افضل.. وعلى الادارة التي تتمنى ان يكون بيدها ما تقدمه للموظفين الجادين المثابرين..
وحتى لا ينتقدني احد ويقول بانني ممن ينادون ببيع مقدرات الوطن..
فانا انادي بخصخصة مبنية على مصلحة الوطن.. على ان تكون شفافة ومعلنة للجميع.. وحسب الاسس التي تتبعها اكثر الدول تقدما وانفتاحا..
وما اقتراحي ومطالبتي الا في ظل عدم وجود المخصصات الكافية لرفع سوية وكفاءة المؤسسة من حيث اداء واجباتها وكذلك لتنافس مثيلاتها في استقطاب المشاهدين..
حيث ان معظم ميزانية المؤسسة تذهب للاسف للرواتب وليست للتطوير والتحديث وحتى ليس للتحفيز..
كان لي شرف لقاء ادارة هذه المؤسسة الوطنية اكثر من مرة.. وفي ثنايا الحديث لمست حجم التحديات والصعوبات التي تواجه مسيرة هذه المؤسسة..
وكنت قد كتبت مقالا عن ذلك.. وصورت ادارتها بالتي تنحت في الصخر حتى تبقي هذا الصرح مستمرا مؤديا الامانة التي انيطت به..
وفي هذه العجالة سأتناول ما اود طرحه من عدة اوجه وفقرات متناثرة ومقتضبة ومنتقاة.. علها تسلط الضوء على واقع المؤسسة بشكل مبسط غير تفصيلي.. تجعل من اصحاب الاختصاص والمسؤولية الدخول بعمق تحليلي لواقع الحال.. وتكون كمن يقرع ناقوس الخطر لما ستؤول اليه الاوضاع ان بقي الحال كما هو..
فللامانة فإن الإدارة لا تدخر جهدا في محاولة الايفاء بالتزامات المؤسسة تجاه المتابعين الذين يتناقصون شيئا فشيئا.. وذلك بتسخير الامكانات المحدودة والشحيحة بالشكل الامثل.. الا ان حجم ما تجابهه من تحديات ومنافسة كبير وكبير جدا..
وحالها مع الحكومة والقوانين المطبقة عليها في التعيين والانفاق والاستقطاب والضرائب كالمثل القائل..
(صحيح لا تقسم.. ومقسوم لا توكل.. وكل حتى تشبع.. او كما نقولها بالسلط “كل تا تنفري”)..
وللاسف عندما اتابع هذه المؤسسة يعتصرني الالم لما وصلت اليه.. ولا يخفى على احد ان هناك حالة إحباط سائدة بين الموظفين جراء مقارنة انفسهم بنظرائهم في المؤسسات المشابهة..
ناهيك عن اللامبالاة او عدم الشعور بحس المسؤولية في بعض الأمور التي بستطيع المتابع الخارجي ان يتلمسها ويلاحظها..
وعندما نقول ان العالم الرقمي اصبح هو السائد والطاغي على كل مناحي الحياة.. وبالاخص الاعلامي منها..
نجد ان صفحة الفيسبوك الخاصة بالاذاعة مثلا.. لا تغطي سوى عدة برامج بشكل منتظم او شبه منتظم.. وتجدها تخلو من البرامج الاخرى او قد تظهر بين الحين والاخر..
فينتابني الشعور بان هذه الصفحة هي مخصصة لهذا البرنامج او تلك المذيعة مثلا.. وليست صفحة رسمية وجدت لخدمة المؤسسة ولايصال صوتها وتدار باموال المؤسسة؟!.. ومن موظفين يتبعون ادارة المؤسسة وليسوا تابعين لاشخاص بعينهم..
وما يؤلمني انني اشاهد مثلا بعض المعلمين يقومون بالبث على الفيسبوك من بيوتهم.. وبمجهود بسيط ويستقبلون اتصالات من طلبتهم وبتكلفة تكاد تكون معدومة نسبيا..
اما من الناحية المهنية.. فقد حدثني ثقة عن احد اعضاء كادر المذيعين.. بانه/انها تواصل معه للخروج على البرنامج العام لمدة تقرب من الساعة المباشرة.. وحددوا اليوم والوقت.. فقام هذا الثقة بتعديل برامجه لذلك اليوم.. بين الغاء او تعديل وقت.. لان الإلتزام سيكون حوالي الثلاث ساعات.. بين مواصلات وتحهيز وبث.. وللاسف لم يتم الاعتذار منه.. وهذا ابسط ادوار الانسان الاجتماعية قبل العملية..
فهذا الاجراء لا ينم الا عن عدم مهنية وعدم اكتراث لما ستكون عليه ردة الفعل.. أكانت من قبل الضيف او حتى الادارة..
وحين اسمع ان الإدارة بحكمتها وحنكتها استطاعت ادامة البث والتغطية على مدار اليوم لعدة اشهر وبكادر يكاد لا يتعدى 40% من العدد الكلي للموظفين المسجلين على سجلات كادر المؤسسة..
اعي تماما حجم الحمل والتركة التي ورثتها الادارة الحالية رغما عنها.. وانها شبه مكبلة الايدي تجاه التخلص من تبعاتها..
فقوانين وانظمة ديوان الخدمة المدنية التي يرتكز عليها كثير ممن هم على كادر المؤسسة تحت بند البطالة المقنعة.. والدعم الذي يلقاه البعض لتثبيتهم في موقعهم ان حاولت الاذاعة نقلهم او فصلهم..
تجعل من المستقبل شبه معتم بدل ان يكون منيرا يحمل في ثناياه الخير للمؤسسة وللاردن..
لكل ما سلف ولاشياء تعلمها الادارة ولا تستطيع التغلب عليها.. اجد ان اقتراح خصخصة هذه المؤسسة بالكامل او ادخال شريك استراتيجي سيكون هو الحل..
فالمؤسسة تمتلك الكثير من الموجودات والاصول الثابتة التي يمكن البناء عليها والاستفادة منها.. وعلى سبيل المثال لا الحصر.. عربات النقل الخارجي.. والمشاغل الفنية.. والاستوديوهات.. وحتى المساحات والاسطح التي يمكن استغلالها لتوليد الطاقة البديلة.. او البناء عليها واستثمارها..
واما من يسألني عن الموظفين الذين يستنزفون الكثير من مقدرات المؤسسة برواتب لاشخاص لا يستفاد منهم.. فهناك حلول قانونية بيد الادارة يمكنها استخدامها في حين كانت الادارة قوية واقفة موقف الوطني المدافع عن مقدرات المؤسسة التي هم مؤتمنون عليها..
فوزارة التنمية الادارية ملزمة بتوزيع هؤلاء البطالة المقنعة على المؤسسات الحكومية حسب ما تراه مناسبا..
وما على الادارة الا ان تخاطب الوزارة بشكل حازم قاطع لا رجعة فيه.. مبينة عدم حاجتها لهذه البطالة المقنعة التي ارهقت ميزانية المؤسسة..
او على الادارة ان تتعامل بالقانون معهم من حيث التقارير السنوية التي لا يستحقون فيها اكثر من جيد.. ومن ثم الفصل لهم لعدم قدرتهم على التماشي مع وضع المؤسسة الفني والاداري عالي المستوى..
او البحث في باب الاستيداع لحين سن التقاعد..
وحتى في مراحل الخصخصة.. وبالاتفاق مع المستثمرين.. او تحت بند اعادة الهيكلة.. فان المؤسسة تستطيع ان تستغني عن الحمل الزائد بطريقة التفاوض والضغط والتعويض..
فحسب المسموعيات.. فان معدل رواتب المؤسسة خمسمائة دينار.. واذا ما اخذنا رأي مديرها العام والذي هو من اشد الناس اصرارا على الترشيد وضبط النفقات واستغلالها بالشكل الامثل لتطوير المؤسسة ورفع مستوى دخل الموظفين الكفؤين.. وحيث انه في اكثر من مناسبة افاد بان المؤسسة قامت على عاتق حوالي 40% من الموظفين بدورها الكامل دون انقطاع.. وحتى انها ادت الدور بكل مهنية واحترافية حينها..
فهنا نجد ان 500 موظف يمكن الاستغناء عنهم..
واذا ما تم تعويضهم لسنة كاملة.. فيكون مجموع ما ستدفعه الدولة او المستثمر هو 3،000،000 دينار لا غير..
وهو رقم ليس بالكبير مقارنة بالهدر والاستنزاف السنوي الذي تتكبده المؤسسة..
ولا يخفى على كل ذي لب.. ان اي مؤسسة تتعامل مع العقود غير المجحفة في شراء الخدمات للمؤهلين وبالشكل الطبيعي المنصف.. هي التي ترقى وتزدهر..
فكثير من المؤسسات تجد اصحاب العقود المشروطة التي يتم تقييم الموظف على اساس عطائه وكفاءته.. هم الناجحون والمميزون والذين تقوم على اكتافهم المؤسسات..
في حين ان الاركانية تكون هي السمة الغالبة على الموظفين المثبتين الذين يركنون على القوانين الحكومية الدافئة التي تحمي كسلهم وعدم قيامهم بما هو مطلوب منهم بالشكل المهني عالي المستوى..
هذا نداء الى كل مسؤول غيور على اسم وسمعة مؤسسة الاذاعة والتلفزيون.. بان تنظروا الى الموضوع بشيء من الجد.. وان تقوم الحكومة بالاستفادة من هذه المؤسسة قبل ان تصبح في قعر مستوى التثمين والتخمين لتهالك محتوياتها او فقدان مصداقيتها او انعدام متابعتها..
فحينها -لا سمح الله- لن تجدي حتى فكرة الخصخصة.. لان مستواها سيكون قد وصل الى حد السوء الذي لا يرجى منه شيء..