أزمة أساليب التربية داخل الأسرة العربية- بقلم رامي عبيد
العالم الان – تعدّ الأسرة الخلية الأولى والحلقة بالغة الأهمية في الحياة الاجتماعية، بل تعدّ نواة التنظيم الاجتماعي، وتتكون بداخلها روابط إنسانية واجتماعية متينة، وهي المسؤولة الأولى عن بناء شخصية الأفراد وتعديل سلوكياتهم، وللأسرة مسؤوليات ووظائف عدّة تجاه الأبناء، ولا تقتصر هذه المسؤوليات فقط على توفير وتلبية الاحتياجات الأساسية كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن … إلخ، بل تشمل متطلبات أعمق من ذلك كتعليمهم وغرس القيم والمبادئ الصحيحة بداخلهم، وتوجيههم وتربيتهم وتنشئتهم بطريقة صحيحة وتنمية قدراتهم. فالتربية هي نظام لإعداد وتأهيل الجيل من جميع جوانب الحياة، وفي جميع المراحل العمرية، مما يساهم في بناء شخصياتهم ويُمَكِنهُم من التكيف مع البيئة والاندماج في المجتمع.
وقد طرأت تغيرات على المجتمع ومنها العولمة وتعني القوة التي شملت جوانب متعددة (اقتصاديًا، سياسيًا، ثقافيًا، … الخ)، وكانت للعولمة الثقافية دوراً كبيراً في السيطرة على عقول الشعوب واختراق ثقافاتها، والتحكم في توجهاتهم وأفكارهم، ونشر العلمانية التي فصلت بين أمور الدين والحياة، والتي دعمت المصلحة الشخصية للفرد على المصلحة الجماعية. واعتمدت العولمة على استخدام وسائل الإعلام في نشر هذه الثقافات الدخيلة إلى المجتمعات العربية.
وطرأت على المجتمع تطورات عدة أدت بدورها لظهور فروق بين المجتمعات، وكانت هذه التطورات نتيجة لبعض العوامل المختلفة، كالعوامل الجغرافية التي لها دور في تحديد نوع الأنشطة والممارسات لمجتمع معين بحسب طبيعة المكان الذي يعيشون فيه، مثلًا نجد أن نوعية الحياة والوظائف في المدن تختلف عنها في الريف والقرى. والعوامل التكنولوجية التي ظهرت بعد الثورة الصناعية، وظهور الكثير من المخترعات التي سهلت على الأفراد القيام بالكثير من مستلزمات الحياة، كما أدت لتوسيع الفجوة بين أفراد الأسرة الواحدة. والعوامل الاقتصادية والتي تؤثر بشكل أساسي في الجانب الاجتماعي للمجتمع، فالأجر والدخل والعمل يعطي مكانة للفرد داخل المجتمع.
لا شك أن التأثير الحاصل على تركيبات المجتمع قد أثّر بشكل كبير في الأسرة التي تعدّ من أهم هذه التركيبات. فنجد المجتمع العربي اليوم الذي لطالما كان قرويًا محافظًا بات يمر اليوم بتطور ونقله مختلفة لما عهدناه منذ سنوات، ونتيجة لذلك نرى اليوم اختلال في توازن الأسرة سببه ضعف روابط العلاقات التي تجمع بين أفرادها.
كان لدخول هذه الثقافات تأثير واضح على الأسرة، ونتج عنه عادات وتقاليد جديدة ومختلفة، لكنها غريبة ولا يمكن الاعتماد عليها في المجتمع. وبدأت الأسرة بالانتقال من التقليدية إلى الحداثة والعصرنة في الأفكار والسلوكيات، ولكن هذا الانتقال لم يكن بهذه البساطة، فقد خلقت هذه التغيرات صراعات بين الفرد والأسرة والمجتمع. وباتت الازدواجية الثقافية والاجتماعية موجودة بين الأسر وأفرادها، وأدت لظهور عادات وتقاليد دخيلة ومستحدثة. وبالنتيجة أصبحنا نجد ثقافات مختلفة في المجتمع الواحد، فبعض الأسر بقيت متمسكة بالعادات والتقاليد التراثية والأصالة والقيم الثقافية، وترى أن هذه العادات ليست عائق في التطور والتقدم، فعلى العكس هي تحقق الذات الإنسانية والانتماء للمجتمع. وفي الناحية الأخرى نجد بعض الأسر التي تتبع التجديد والحداثة وترى أن هذه العادات القديمة لا تتناسب مع عالمنا الحديث، وتقع حاجزًا بين الفرد وانطلاقه نحو مستقبل وآفاق جديدة، وتحد من نشاطاته وقدراته.
إضافة لما سبق فهذه الحداثة التي تخللت اليوم إلى داخل الأسر العربية أثرت على أساليب التربية التي يتبعها الوالدين في تربية أبنائهم، فثقافة الأبناء غالبًا تنشأ من الموروثات التي تعلمها من والديه. واختلاف الثقافات والأفكار بالآونة الأخيرة بين الأسر العربية يشمل اختلاف أساليب التربية التي تتخذها الأسرة في تنشئة أبنائها تبعًا لما تؤمن بها هذه الأسرة. ومن هنا نجد عدة أنماط من الأسر تبعًا للمتغيرات الثقافية والاجتماعية، ومن أهم هذه الأنماط:
الأسرة المحافظة / الدينية: هي الأسرة التي تقوم بتربية أبنائها وتنشئتهم على القيم والأخلاق وعلى أساس الدين الإسلامي، وتهتم بتنمية الجانب الديني والإيماني لديهم. وإعداد الفرد من نواحي مختلفة حسب مبادئ الشريعة وتعاليم الإسلام.
الأسرة الانفتاحية:هي الأسرة التي تجاري في تربيتها الثقافات الحديثة المنتشرة، وتتيح المجال لأبنائها باستخدام تقنيات التطور، دون وضع حدود صارمة، ويكون هذا الانفتاح من جوانب عديدة، كالانفتاح الثقافي والبيئي والفكري.
إن هذه الأنواع من الأسر تعتمد كل منها أسلوب تربية معين، وجاءت بعض الدراسات للبحث عن علاقة هذا الأسلوب بالتحصيل الدراسي لدى الأبناء، وأن العوامل البيئية التي تحيط بالطالب لها دور في زيادة تحصيل الطالب أو انخفاضه، فهناك بيئة تساعد الطالب على تنمية قدراته العقلية، في حين أن هناك بيئة أخرى تعمل على إخمادها.