كتب محمود الدباس.. قبل ان تُنَظِر وتضع اللوم على غيرك.. ألم تكن يوماً ما صاحب قرارٍ فيما نعانيه الآن؟!..
العالم الان – اتبسم حسرة والما وانا اشاهد او اسمع شخصية وازنة -حسب تصنيفات وموازين اهمية المواقع السياسية التي تقلدها- وهو يتحدث عن الوضع المتردي الذي وصلنا اليه.. وعن حجم المديونية وارتفاع نسبة البطالة وضعف استقطاب المستثمرين وتراجع في مستوى الخدمات والكثير الكثير من الهموم..
اتبسم لسببين.. اولاهما حتى أشعِرُه بانني مصدق له وانطلت علي “سواليفه”.. وابقيه متعايشا في ذلك الوهم الذي يقتنع باننا شعب طيب ننقاد بكلمات معسولة.. وكأننا سُذَّجٌ لا نميز بين مَن عمِل ويعمل لمصلحتنا ويتعامل معنا برقي ودماثة..
وبين من عمِل وما وزال يعمل ويتصرف على اساس اننا لا نعرف مصلحتنا.. وانه ومَن هم على شاكلته من يسيرون امورنا برضانا.. وليس لانهم الذين اوصلونا الى ما نحن عليه بسلطتهم.. ووتفردهم بقراراتهم المتراكمة..
وثانيهِما لانه حين يتحدث على وسائل الاعلام او التواصل الاجتماعي.. يَنظُم قصائد مليئة بالشجن والمشاعر الجياشة والاحاسيس التي ترق لها القلوب.. تصلح بان تكون مَغناة تُلحَن وتُغنى في المناسبات والاعياد الوطنية لحجم المشاعر الفياضة التي يضعها في كل كلمة وهو يصف الوضع ووجعه وحزنه على الوطن والمواطن.. و “سَوفِيَّاتِهِ” التي يبدأ بها افكاره لو كان مستلما زمام الامور الآن..
هذه الحالة تنتابني منذ فترة.. حيث انني اصبحتُ اقتنع بأن ظهورهم المتتالي اضحى ظاهرة.. وكلما اجد نفسي تناسيت او تعافيت من ظهور احدهم.. اجدني ادخل فترة اخرى مع شخصية جديدة..
حاولت ان لا اعير اهتماما لهم حتى اشعر بالتحسن.. وحتى إن وقع نظري على مقابلة لاحدهم.. اسرِعُ بغض بصري وسد اذني..
ولكن سامَحَ الله مَن هم حولي لم يتركوني.. فهذا يقول لي.. الم تسمع فلان وهو يصف الوضع؟!.. وآخر اجده وكأنه وجد ضالته عند هؤلاء المحنكين الافذاذ.. وكأنهم وصفوا البلسم الشافي للعلةِ التي كانوا هم سببها..
فاعاود الدخول في حالتي المَرَضِية بشكل اعنف من الاول..
وذلك لانهم استطاعوا التأثير على بعض مَن اتَوَسمُ فيهم الحصافة والنباهة.. فاقنعوهم بحلاوة اللسان بانهم يملكون الوصفة السحرية لما نعانيه..
فاصبحوا يتغنون بمقولاتهم.. ويسترشدون بها.. متناسين المناصب التي تقلدها أولئك الساسة.. ولم يقوموا حينها بما يقولون الآن.. “كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ”..
ودائما ما اجدني أتساءل.. يا صاحب الدولة أو المعالي أو العطوفة أو السعادة.. حينما كنت على رأس عملك.. وكانت ومصداقيتك في اعلى مراتبها.. لماذا لَم تُخرج لسانك من فمك حينها؟!.. أم أنه كان يرتع في ملذات مائدة المنصب؟!.. ولماذا لم تستعمل قلمك الجريء الحاد لإقرار ما كنت تعتقد بأنه الطريق القويم الذي سيرفع من شأن الوطن.. وينمي مكتسباته.. ويرجح كفة ميزانه التجاري امام غيره من الدول.. وكتابة ونشر ما كنت تراه آن ذاك من فساد او ترهل او بُعد عن مصلحة الوطن؟!.. أم كان مشغولا في كتابة المديح والتبجيل وتزييف الوثائق والحقائق والمستندات للتغطية على الفساد؟!..
وأعجَبُ كل العجب مِن شخص كان رقم واحد أو اثنين في مركزه.. وتبوأ من المقاعد والمراكز على مدار خدمته الشيء الكثير.. وتجده بين عشية وضحاها انقلب لينتقد نتاج ما تفتقت عنه قرائحه وما خطت يداه.. فكان سببا مباشرا او غير مباشر لما وصلنا اليه..
اعذروني ايها المنظرون او لا تعذروني.. فالأمران سيان عندي.. واقول لكم كما قال الآباء والأجداد.. الكلمة في وقتها طَلَق.. والحَجَر بِمكانه قِنطار..
مُطالبا اياكم احتراما اكبر لعقولنا.. فلا تبيعوننا وطنياتٍ وتُحَجِّروا على أكتافنا.. بعد أن لقيتم أنفسكم خارج دائرة التكَسب.. وبدأتم تشعرون بان القادم ليس لكم دور فيه..
وهنا اتذكر قول ذلك السياسي حين سُئل.. لماذا لم تتحدث عن الفساد وانت على رأس عملك؟!..
فأجاب.. علمني والدي ان لا اتحدث وانا آكل..
ابو الليث..