كيف ستحل ايران مازقها في العراق؟. بقلم: عمر الرداد
العالم الان – تعكس المواجهات التي شهدتها بغداد وانتقلت الى محافظات اخرى في وسط العراق وجنوبه، بين مؤيدي التيار الصدري وما يعرف بفصائل شيعية منضوية في اطار الاطار التنسيقي، يتبع لها فصائل مسلحة “الحشد الشعبي العراقي” وتطورات موقف “مقتدى الصدر” بمطالبته لاتباعه بوقف المظاهرات والانسحاب من المنطقة الخضراء في بغداد عمق ازمة القيادة الايرانية ومشروعها بمواصلة السيطرة على العراق.
تطورات الصدامات المسلحة في بغداد تطرح تساؤلات حول مستقبل المشهد العراقي، في ظل حقيقة يتم تجاوزها بوصفها مسكوتا عنه، وهي ان الصراع اليوم تجذر بين مشروعين الاول: بقيادة الصدر ومعه اطياف واسعة من الشيعة والسنة والكرد، يطالب بدولة وطنية عراقية غير تابعة لإيران، والثاني: الاطار التنسيقي بفصائله التي لا ترى في العراق وكل مقدراته وثرواته الا تابعا للقيادة الايرانية وجزءا من مشروع ايراني يشمل العراق وسوريا ولبنان اضافة لليمن، وبمرجعية مذهبية قوامها الولاء المطلق والانصياع للولي الفقيه.
ايران من جانبها تدرك تلك الحقيقة، وادارت هذه الازمة على المستويين ” الديني والسياسي” وفق مراحل انتهت بضوء اخضر لوكلائها من الاطار التنسيقي لمواجهة عسكرية مع تيار الصدر، وذلك بعد فشل قائد الحرس الثوري “قاني” ،الذي اثبت انه يفتقد للقدرات وقوة الشخصية لسلفه “قاسم سليماني” في الضغط على الصدر واقناعه بتنازلات بمرجعية مذهبية تخدم استمرار سيطرة طهران على العراق، هذه المذهبية استخدمتها القيادة الايرانية بإعلان مرجعية الصدر الايرانية، ” كاظم الحائري” الاعتزال والمطالبة بالولاء للولي الفقيه، تنفيذا لاستراتيجية ايرانية تخشى من اعادة مرجعية الشيعة الى العرب، بعد نقلها الى قم الايرانية، وهو ما يطرح تساؤلات حول العلاقة بين “الديني والسياسي” ومفهوم الوطن والمواطنة فق مقاربات ولاية الفقيه التي تقود الحكم في ايران حاليا.
مؤكد بعد مطالبة الصدر اتباعه بوقف العنف والتظاهر ومغادرة المنطقة الخضراء ستنخفض مستويات الصدام المسلح بين التيار الصدري والاطار، لكن ذلك لا يعني انتهاء الازمة، رغم اعلان الصدر اعتزاله العمل السياسي وقراره بإغلاق مقراته، لا سيما بعد اعلانه انه يتعرض لتهديدات بالقتل ” من ايران واتباعها”، ومما يؤكد استمرار الازمة ردود فعل بعض رموز الاطار على مبادرة الصدر لانهاء الصدام والقتل وتحريم ذلك بين العراقيين، فيما اصبح تحول الصدر الى مشروع “يجمع عليه غالبية العراقيين” عنوانه اخراج ايران من العراق، احد ابرز معايير الحلول القادمة للازمة، ومن المرجح ” مرحليا” ان يتم استئناف الحوار “الوطني” العراقي وبما يفضي لتوافقات وانتاج حلول وسطية ، بضغوط ايرانية اكثر وضوحا، سيكون عنوانها الحقيقي اعادة “وحدة المكون الشيعي”، وليس وحدة العراقيين، رغم اصرار بعض رموز الاطار التنسيقي الاكثر ولاء لايران على انهاء “ظاهرة” التيار الصدري.
ومع ذلك فان اجراء انتخابات جديدة وهو الشعار الذي شكل احد المطالب الجوهرية للتيار الصدري سيبقى ابرز القضايا الخلافية، في ظل مقاربة الاطار التنسيقي بانه لا داعي لانتخابات جديدة بعد امتلاكه الاغلبية في البرلمان ، اثر انسحاب كتلة التيار الصدري من البرلمان، فيما تبدو امكانية اتخاذ القضاء العراقي قرارا بحل البرلمان محدودة، في ظل سيطرة الاطار على القضاء، فيما تبدو مخاوف عميقة لدى طهران ووكلائها من اية انتخابات جديدة سيتكرر معها سيناريو الانتخابات السابقة بفوز جديد للتيار الصدري ” اكثر حسما” بعد الشعبية التي حققها بشعاراته منذ افشاله بتشكيل حكومة ، واعتصامات اتباعه حول السلطات الثلاث” الحكومة ،البرلمان والقضاء”، في رسالة تطالب بتغيير النظام السياسي الذي تم انشاؤه بعد عام 2003.
وتبدو قضية اجراء انتخابات جديدة ، او التوافق على حلول مؤقتة مع التيار الصدري، قضايا اقل خطورة واهمية بالنسبة لإيران من قضية الاجابة على تساؤلات مطروحة في اوساط عراقية حول “شرعية” بقاء فصائل الحشد الشعبي العراقي المسلحة والموالية لإيران، لا سيما بعد انتهاء مبررات انشاء هذا الحشد والمرتبطة بمواجهة تنظيم “داعش”، حيث تحولت فصائل الحشد الى دولة داخل الدولة، على غرار “الحرس الثوري الايراني”، تمارس العمل المسلح ضد الخصوم لحسم صراعات سياسية لا علاقة لداعش بها، اثبتتها المواجهات التي شهدتها بغداد وبعض محافظات الجنوب قبل ايام.
تستطيع القيادة الايرانية تغيير اتجاه تطورات الاوضاع في العراق، عبر خيار يبدو انه ما زال في سلة خيارات هذه القيادة، بانتظار سيناريوهات مستقبلية تجد فيها ايران ان مازقها يزداد عمقا في العراق، وهو “تسهيل” قيام تنظيم داعش بعمليات نوعية تستهدف المكون الشيعي العراقي برموزه ومزاراته، على غرار العمليات التي سبقت فتوى المرجع “السيد السيستاني” بتشكيل الحشد الشعبي العراقي، اثر تسهيلات قدمتها حكومة المالكي لداعش مكنتها من الاستيلاء على مساحات واسعة من العراق، اذ يشكل هذا السيناريو خيارا ايرانيا سيجعل المطالبة بخروج ايران من العراق “خيانة”، فيما سيتيح للحشد الشعبي اجتياح مناطق في غرب العراق وشماله، لا سيما بعد تأييد المكونين ” السني والكردي” للتيار الصدري وتحالفهما معه.
تطويق الصدامات ووقف المظاهرات امام مؤسسات الدولة العراقية في المنطقة الخضراء بمرجعية مذهبية عنوانها الحيلولة دون اقتتال بين المكونات الشيعية، لا تعدو كونها حلولا مؤقتة لصراع في العراق، بين مؤيدين لاستمرار اختطاف العراق من قبل ايران، ورافضين للوجود والسيطرة الايرانية على العراق، لا يستبعد استمرارها بمستويات ومناطق مختلفة، خاصة وان هذه التهدئة لا تجيب على تساؤلات كبرى حول شكل ومضمون النظام السياسي المطلوب، بما في ذلك السؤال الجوهري فيما اذا كانت النظام الايراني يشكل نموذجا يحتذى في التنمية الاقتصادية والديمقراطية وتحقيق الرفاه للشعوب الايرانية؟
مؤكد ان ايران تملك العديد من الاوراق لتثبيت سيطرتها على العراق، لكن في ظل فقدانها لتكون نموذجا يحتذى، فهي لا تملك الا ” المذهبية والطائفية” التي ستبقى الورقة الاهم لدى القيادة الايرانية، التي ستستخدمها في الوقت الذي تخدم فيه مخرجات هذه الورقة استراتيجيتها، ومؤكد ان تنظيمي “داعش والقاعدة ” ما زالا يمتلكان قدرات وجاهزية ليدليا بدلوهما في هذه الازمة، بما يفضي لإعادة انتاج الصراع في العراق على اسس طائفية ومذهبية ، وليس على اسس المواطنة والدولة العراقية.