هل نحن أمام مواجهة اقتصادية أم سياسية بين السعودية وأمريكا؟
العالم الان – فاجأت المملكة العربية السعودية أمريكا والقوى الدولية بقرار (أوبك+) بتخفيض إنتاج النفط لدول هذه المنظمة بمقدار مليوني برميل يومياً، وهو ما سينعكس على أسواق النفط بزيادة أسعاره لتتجاوز الـ (100) دولار، وهو الأمر الذي قوبل بردة فعل أمريكية أقلّ ما يمكن أن يقال فيها إنّها متشنجة، وتصبّ في صالح إنقاذ النفط الروسي الذي يشكّل هدفاً لأمريكا باتجاه شموله بقرارات العقوبات والحصار على روسيا، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن بعيداً عن السياقات الاقتصادية، إلا أنّ جوهر القرار سياسي بامتياز، يعكس عمق التحولات التي تشهدها العلاقات السعودية مع “أمريكا وروسيا” بتصعيد غير مسبوق مع الأولى، وما يمكن توصيفه بـ “تعاون واسع” مع روسيا.
مقاربة السعودية في تفسير رفع الأسعار أنّه مرتبط فقط بأسباب اقتصادية وضرورة تحييد ملف إنتاج النفط والطاقة وأسعارها عن المقايضات السياسية، كون محرّكات أسعار النفط اقتصادية، ورغم ذلك إلا أنّه لا يمكن عزل مصفوفة الخلافات السياسية بين الرياض وواشنطن في ظل القيادة الديمقراطية التي يبدو أنّ زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية لم تسهم في تفكيك أسبابها، بما فيها الاعتراف بقيادة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء للسعودية، وضرورة أن تدرك أمريكا أنّ السعودية تبني تحالفاتها بمرجعية مبادئ “المصالح المشتركة”، وليس التبعية، لا سيّما أنّ هناك شكوكاً سعودية بسياسات الديمقراطيين تجاه السعودية؛ من بينها: إلغاء صفقات أسلحة أمريكية للسعودية، ودعم الديمقراطيين للحوثيين، خصم السعودية في اليمن، ونوايا أمريكا بعقد اتفاق نووي جديد مع إيران، ربما لا يأخذ مصالح السعودية بعين الاعتبار، بالإضافة إلى الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وهو ما اضطر السعودية للتعاون مع دول أخرى للحصول على السلاح، “فرنسا والصين وروسيا ودول أخرى”.
تشير الاتهامات الأمريكية إلى أنّ السعودية تريد بالقرار التأثير على انتخابات الكونغرس القادمة لصالح الجمهوريين بزيادة أسعار المحروقات على الناخب الأمريكي
من جانبها، عبّرت ردود الفعل الأمريكية على القرار عن ارتباكات تعكس العلاقة المتوترة بين واشنطن والرياض، وتشير الاتهامات الأمريكية إلى أنّ السعودية تريد بالقرار التأثير على انتخابات الكونغرس القادمة لصالح الجمهوريين بزيادة أسعار المحروقات على الناخب الأمريكي، بالإضافة إلى اتهامات أخرى بأنّ السعودية تتحالف مع بوتين ضد الأمريكيين، وهو ما أعلنه الرئيس بايدن بأنّ زيادة أسعار النفط سببها روسيا والسعودية، وهي تفسيرات واتهامات تخضع لتجاذبات مع الجمهوريين “حلفاء السعودية”، غير أنّ الأهم في ردة الفعل الأمريكية وما يجري تداوله حول تسريع إقرار مشروع “نوبك” الذي قد يمهد لعقوبات في المحاكم الأمريكية، إلى جانب مقترحات عبّرت عنها تصريحات في الكونغرس بضرورة إعادة النظر في التحالف الأمريكي مع السعودية والإمارات، وسحب القوات الأمريكية وأنظمة “باتريوت” من السعودية والإمارات.
ومع ذلك، لا يمكن المبالغة في ارتدادات الضربة السعودية النفطية، بوصفها ليست ضربة قاضية في حلبة الخلافات مع واشنطن، وهي تعبّر عن مواقف وملاحظات سعودية على تعامل الإدارة الديمقراطية، قبل وبعد وصول هذه الإدارة إلى الحكم، جوهرها غياب “الكيمياء” التاريخية بين الديمقراطيين والقيادات السعودية، رغم التحولات العميقة في السعودية في مجالات حقوق الإنسان والحريات التي سحبت أحد أهم الملفات من الإدارة الديمقراطية، والمقارنة بين ايران والسعودية تقدّم دليلاً على ذلك.
يرجح أن تبقى العلاقات في إطار مناكفات قد تحقق السعودية مكاسب خلالها تعكس قبل كل شي ليس فقط علاقاتها مع أمريكا، بل إعادة تموضعها إقليمياً ودولياً
ومن المؤكد أنّ الإدارة الأمريكية تدرك أنّ خياراتها محدودة في الرد على السعودية، لذا وبعيداً عن الردود المتشنجة، يرجح أن تبقى العلاقات في إطار “مناكفات” قد تحقق السعودية مكاسب خلالها تعكس قبل كل شي ليس فقط علاقاتها مع أمريكا، بل إعادة تموضعها إقليمياً ودولياً، في إطار رؤى إستراتيجية جديدة عناوينها داخلياً خطة “20-30” للتنمية الاقتصادية الشاملة، وتعديل وجه السعودية بدولة حداثية تقاوم الإرهاب وجذوره بفك العلاقة مع الوهابية، وإطلاق هوامش من الحريات العامة تؤسس لبناء ديمقراطي تغادر معه السعودية مربعات الدولة الدينية والقبلية إلى دولة تتطلع ليكون لها مكانة في خريطة الأحلاف الدولية وتكتلاتها الاقتصادية الكبرى، وبما يتجاوز مجموعة الـ20. وخارجياً تعمل السعودية على إنتاج مقاربات جديدة تتضمن الانفتاح على محيطها بما فيه إيران، ومغادرة العداوة مع إسرائيل، واستئناف التعاون مع تركيا، والانفتاح على روسيا والصين والدول الأوروبية بمعايير “المصالح المشتركة”، وهو الأمر الذي يؤكد أنّه في الوقت الذي تغيّرت فيه السعودية واجترحت إستراتيجيات جديدة، فإنّ المشكلة في أمريكا التي لا تريد أن تغير مرجعياتها النمطية عن السعودية خارج كونها دولة نفطية حليفة، لكن ليست شريكة، بل تابعة.