قراءة أولية في اتصالات وزير الدفاع الروسي مع نظرائه في واشنطن وأوروبا _ عمر الرداد
العالم الان – بعد انقطاع دام لأكثر من (5) أشهر، من عمر الحرب الروسية على أوكرانيا، على اتصالات وزير الدفاع الروسي “شويغو” مع نظرائه في حلف الناتو، تتواتر الأخبار حول اتصالات مكثفة وجديدة يجريها “شويغو” مع وزير الدفاع الأمريكي، ووزراء الدفاع في بريطانيا وفرنسا وتركيا، حتى تاريخه، وهو ما يعني أنّ هذه الاتصالات مرشحة لتشمل وزراء دفاع آخرين من الفاعلين في الأزمة الروسية -الأوكرانية.
لا شكّ أنّه، وفقاً لما يتم الإعلان عنه، فإنّ هذه الاتصالات تأتي في سياقات تصعيد “خطير” تشهده الحرب، يتمثل وفقاً للرواية الروسية حول معلومات “مؤكدة” لديها أنّ أوكرانيا ستقدم، بالتنسيق مع الجهات الداعمة لها، على تصعيد استفزازي، وأنّها تُحضّر لإلقاء قنبلة “قذرة” في جنوب شرق أوكرانيا بمناطق المواجهات بين الجيشين الروسي والأوكراني، واتهام روسيا بالوقوف وراء العملية، وهو ما سيرتب عواقب استفزاز دولي ضد روسيا يقوض الثقة بها.
لا يُستبعد أن تكون الرواية الروسية لأسباب انفتاح “شويغو” على نظرائه في أمريكا وأوروبا صحيحة، لكنّ تطورات الحرب الميدانية ربما تجعل إمكانية التوقف عند سيناريوهات أخرى تحظى بأهمية إمكانية واقعية، تذهب معها هذه “الواقعية” إلى سيناريوهات مختلفة، بل معاكسة للصورة التي يرسمها الفاعلون في هذه الحرب بأنّ الأمور تذهب إلى مزيد من التصعيد، لا سّيما أنّ هناك تعتيماً على المعلومات الخاصة بفحوى وحقيقة اتصالات “شويغو” خارج أطر ما يقدّمه الإعلام.
هذه الاتصالات تأتي في سياقات تصعيد خطير تشهده الحرب، يتمثل وفقاً للرواية الروسية حول معلومات مؤكدة لديها أنّ أوكرانيا ستقدم، بالتنسيق مع الجهات الداعمة لها، على تصعيد استفزازي
تطورات بعناوين معقدة في مستوياتها، السياسية والعسكرية والاقتصادية، تشهدها الحرب؛ من أبرزها موقف “إعلامي” روسي يؤكد أنّ الأمور تتجه إلى مزيد من التصعيد، وضرب البنى التحتية في مناطق أوكرانية خارج إطار المواجهات في الإقليم الذي يشهد مواجهات عنيفة، وتشمل مساحة أوكرانيا، ويتردد أنّها بطائرات مسيّرة إيرانية وصواريخ روسية باليستية، ينضاف إلى ذلك الحشد العسكري الجديد المشترك بين قوات روسية -وبيلاروسية شمال أوكرانيا، وتحذيرات أوكرانية من هجوم بيلاروسي، مع انسحابات واسعة للقوات الروسية من “خيرسون”، وتنظيم عمليات “ترحيل” واسعة لسكان “خيرسون” إلى روسيا ومناطق آمنة، وهو ما جعل سيناريو أنّ روسيا تُعدّ خطة لـ “حرق خيرسون” يتردد على نطاق واسع، رغم الصعاب التي يواجهها المستوى العسكري الروسي في ميادين القتال، بالتزامن مع مصاعب أخرى في موسكو، عنوانها اتساع مساحة التساؤلات حول مشروعية وجدوى الحرب على أوكرانيا.
بيد أنّ هذه التطورات الميدانية غير معزولة عن تطورات موازية في الملفات السياسية والاقتصادية، فعلى الصعيد السياسي تواصل الحشد الروسي عبر منظمات إقليمية، هدفها إثبات أنّها ليست معزولة دولياً، وأنّها قادرة على تحقيق إستراتيجيتها بإعادة تشكيل النظام الدولي بمفاهيم ثنائية القطبية، رغم أنّ غالبية الدول التي تراهن عليها روسيا، وفي مقدمتها الصين وإيران، إنّما تحاور واشنطن في اقترابها من موسكو، وهو ما تدركه القيادة الروسية بأنّ هذه التحالفات “هشة وقلقة” وقابلة للانكسار في أيّ لحظة.
أمّا على الصعيد الاقتصادي، فإنّ العنوان الأبرز هو أنّ كافة الأطراف متضررة من هذه الحرب، بدءاً من موسكو وصولاً إلى واشنطن والدول الأوروبية، رغم أنّ حجم الضرر بالنسبة إلى موسكو والعواصم الأوروبية أكبر بكثير ممّا هو عليه بالنسبة إلى واشنطن، وهو ما بدأ يعلن عنه الأوروبيون، وتحديداً في ملف إمدادات الغاز والنفط الروسي، وفي واشنطن على خلفية التضخم وارتفاعات الأسعار، خاصة بعد قرار “أوبك+” بتخفيض إنتاج النفط وإمدادات الأسواق العالمية.
على الصعيد الاقتصادي، فإنّ العنوان الأبرز هو أنّ كافة الأطراف متضررة من هذه الحرب، بدءاً من موسكو وصولاً إلى واشنطن والدول الأوروبية
لا شكّ أنّ مرحلة خطيرة تشهدها الحرب، تنماز بمستويات خطورة عالية جداً في العمليات القتالية، وتصاعد احتمالات استخدام أسلحة نووية “تكتيكية” ستشمل تداعياتها أوروبا وروسيا، ومع التراجع العسكري الروسي، وحسابات أمريكية وأوروبية، تؤكد على مقولة “عدم السماح لبوتين بتحقيق انتصار في حربه على أوكرانيا”، بالتزامن مع تقديرات إستراتيجية “غربية” بأنّه ليس من المصلحة “إسقاط” القيادة الروسية وتفكيك الاتحاد الروسي، لما لذلك من تداعيات دولية خطيرة، بالإضافة إلى تحولات في أمريكا باتساع مساحات المعارضة للدعم الأمريكي لأوكرانيا، واتساع رقعة الحراكات في أوروبا، بالتزامن مع بروز حراكات في روسيا رافضة للحرب على أوكرانيا.
إنّ السياقات المذكورة تشير إلى احتمالات أن تكون اتصالات “شويغو” مرتبطة فعلاً بهواجس لدى روسيا من استخدام “قنبلة قذرة”، لكنّ ذلك لا ينفي أن تكون هذه الاتصالات بمرجعية أخرى، وهي وصول أمريكا والأوروبيين مع موسكو إلى اتفاق لوضع نهاية لهذه الحرب، تمّ عبر اتصالات سرّية، وأنّ تفاصيله شملت رسم الحدود الجديدة لأوكرانيا، وأنّ انسحابات الجيش الروسي من مناطق في خريسون “إلى الضفة الشرقية من نهر دينيبر”، وانسحابات من كامل مقاطعة “خاركوف”، لا يُستبعد أن تكون تنفيذاً لهذا الاتفاق، وسيكون عنوانه إعلان انتصار روسيا وانتصار أوكرانيا، ولا يُستبعد أن يكون تخفيض مستوى التصعيد الذي شهدته الأيام القليلة الماضية، من قبل أمريكا وأوروبا وروسيا، مؤشراً على أنّ الحرب قد تضع أوزارها قريباً