يُنذر استخدام روسيا للطائرات الإيرانية المسيرة في الحرب في أوكرانيا، بحدوث تطورات من شأنها أن تشكل خطورة على القوات الأمريكية وحلفائها في الشرق الأوسط.
بعد شهور من الإنكار، أقر وزير الخارجية الإيراني في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر بأن بلاده زودت روسيا بطائرات مسيرة. قبل ذلك، أطلق المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران عدة تصريحات حول قضية استخدام القوات الروسية طائرات مسيرة إيرانية الصنع في أوكرانيا. ومع ذلك ، القت رسالة المرشد الضوء على مدى قوة نظام المسيرات الإيرانية خاصة حين قال” إن من كان يقول إن صور المسيرات الإيرانية الصنع مفبركة ومعدلة بالفوتوشوب يحذر الآن من خطورتها، مضيفا أن هؤلاء يريدون محاسبة إيران من خلال مساءلتها لماذا تبيع أسلحتها لهذا الطرف أو ذاك.” وبالطبع اكدت تلك التصريحات مزاعم اوكرانية بهذا الخصوص.
وقد أدى ذلك إلى تبديد أي شكوك عالقة حيال المسيرات الإيرانية إلى حد كبير وذلك في ظل غياب أي أدلة أولية من جانب أوكرانيا إلى جانب الجهود المبذولة من قبل إيران ووزارة خارجيتها لتقديم أدلة مضادة، وهو الموقف الذي اكده مندوب إيران لدى الأمم المتحدة حيث حاول في البداية يائسا إنكار تزويد إيران لروسيا بأي صواريخ وطائرات مسيرة. والجدير بالذكر أن محاولة إنكار إيران استخدام الطائرات المسيرة في اوكرانيا تتشابه مع موقفها طويل الأمد حيال تزويدها قوات الحوثيين في اليمن بالصواريخ. والآن، صارت أوكرانيا ساحة معركة أخرى لإجراء تجارب حية لأسطول طائراتها بدون طيار ضد الأنظمة الدفاعية التي توفرها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
تعتبر المسيرات الإيرانية، وخاصة طائرات كاميكازي – مزيج قوي من الفعالية والقدرة على تحمل التكاليف، حيث يقدر ثمن الطائرة الواحدة بعشرين ألف دولار، ويمكنها حمل أكثر من” 50 “كلغم، من المتفجرات، ويسهل انكشافها بسبب بطئها. وفي حين أن الطائرات الفردية المسيرة غالبا ما تكون هدفا سهلا، فإن إرسال عدد كبير من الطائرات المسيرة في كل غارة يجعلها -وفقا للمقاربة العسكرية – أكثر خطورة ويكفي ليحقق 20% من أهدافه.
تتبنى القيادة الإيرانية خطابا مزدوجا بين مقاربة المرشد الاعلى” التي تتضمن رسالة للراي العام الايراني والثناء على كوادر صناعة الطائرات المسيرة” والخطاب الدبلوماسي الذي تمارسه وزارة الخارجية. بالنسبة لبقية المنطقة، فإن معالجة إيران لتلك الرسالة يعتبر امرا ذو أهمية، خاصة أن إيران استغلت تلك القضية لترسل رسائل أخرى من بينها انحيازاها باتجاه موسكو وبكين في إطار نظام عالمي جديد، وهي رسالة موجهة للغرب وتستهدف العودة لمفاوضات النووي، بوصف إيران قوة قادرة في حال استمرار عرقلة الاتفاق، ليس فقط باتجاه لعب ادوار في الاقليم، بل أيضا في الصراعات الدولية، كالصراع في أوكرانيا.
ولعل ما ينبغي الإشارة إليه أن الإعلان عن مشاركة مسيرات ايرانية إلى جانب الجيش الروسي في حربه على اوكرانيا، طرح تساؤلات في اوساط عسكرية في الشرق الاوسط، بما فيها القوات الامريكية في المنطقة، ودول الخليج والاردن، حول ضرورة مواجهة هذا الخطر. وفي حين كانت البيانات السابقة حول تلك المسيرات محدودة إلى حد ما، إلا ان هذه المسيرات قد نجحت سابقا في الوصول لأهداف في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية، وتردد على نطاق واسع في الاردن انه تم استخدامها من قبل عصابات تهريب المخدرات” المرتبطة بإيران وأوساط رسمية سورية” والتي نشطت هذا منذ بداية العام الحالي، انطلاقا من الجنوب السوري باتجاه الأردن.
وبالطبع سيضع ذلك الجيوش العربية أمام تحديات جديدة تتعلق بسبل مواجهة الطائرات الإيرانية المسيرة، والبحث عن حلول بما فيها استيراد طائرات مسيرة من أمريكا والدول الأوروبية، وربما تذهب بعض لشراء طائرات وتكنولوجيا إسرائيلية او تركية، حيث يتردد أن الجيش الأوكراني قد حقق نجاحات كثيرة من خلال استخدام المسيرات التركية أثناء مواجهاته مع القوات الروسية، وهو ما يعني بداية مرحلة جديدة من سباق التسلح في المنطقة، على غرار السباق النووي والصاروخي.
أثبتت بعض الطائرات الإيرانية المسيرة فعاليتها في ضرب أهداف أوكرانية. وفي ظل السياسة الإيرانية العدوانية تجاه دول المنطقة وخاصة دول الخليج، فإن إتاحة تلك المسيرات للمليشيات الموالية لإيران من شأنه أن يزعزع أمن واستقرار المنطقة برمتها، وهو احتمال غالبا ما يثير قلق القوى الإقليمية.
علاوة على ذلك، من غير المرجح أن تسفر تلك المسيرات عن حدوث تحولات استراتيجية كبيرة في الحرب في أوكرانيا، لكن روسيا تستخدمها فقط لضرب أهداف مدنية أهدافًا مدنية وتدمير البنية لكسر إرادة الشعب الأوكراني. ومع ذلك، تمتلك الولايات المتحدة ومعها دول الناتو سيناريوهات عديدة للتعامل مع الطائرات الايرانية، من بينها تلك العقوبات الامريكية والاوروبية الجديدة على إيران والكيانات والافراد المسؤولين عن برنامج إيران في تطوير المسيرات، ودفع هذا الملف إلى مجلس الامن والامم المتحدة.
ومع ذلك، لن تكون تلك الاجراءات كافية، إذ أن المطلوب امريكيا في هذه المرحلة ان تتضمن المساعدات العسكرية الاوكرانية منظومات دفاعية جديدة، بما فيها من تقنيات تستطيع ان تتعامل بفاعلية أكبر مع الطائرات الايرانية المسيرة، لا سيما وأنها مسيرات بمستويات جودة وتقنيات منخفضة. كما ينبغي على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي العمل على تعزيز قدراتهما المضادة للمسيرات الإيرانية والعمل على إبطاء برنامج المسيرات الإيرانية التي قد تستخدم في المستقبل لاستهداف المنشآت الأمريكية في المنطقة