من هناك – شادن صالح – الأردن
العالم الآن -ولدت في عمان وفي مستشفى البشير تحديداً كان صرختي الأولى في وجه الحياة، ولم أنتظر أمي لتذهب لغرفة الولادة حيث ” مزطت ” في غرفة الفحص، لا أدري لما كل هذا الإستعجال غير المبرر سوى أني لا أطيق العتمة حتى لو كانت ببطن أمي، بكل الأحوال أتيت وترتبيت وكبرت وتعلمت كباقي صبايا عمان، مدرستي كانت حكومية نذهب إليها مشياً على أقدامنا الصغيرة نخاف من المعلمات ونطيع أهالينا دون أي نقاش، نحفظ الحارات والجيران، الطرقات وبياع الغاز، سوق الخضار القديم ودائرة الأحوال المدنية في جبل عمان، حتى رائحة الكعك بسمسم ما زالت عالقة في أنوفنا.
كبرت قليلاً وأصبحت أذهب الى وسط البلد بمفردي، أتجول بين البسطات ” أتسكع ” في سوق السكر وأختم المشوار بسندويشة فلافل من عند الهنيني.
كبرت وسافرت وأكملت تعليمي خارج عمان وأصبح لدي أطفال واغتربت عدد لا بأس به من السنوات وفي كل مرة أعود ورائحة الكعك لا زالت عالقة في ذاكرتي، وفي كل مرة أعود بها لعمان أول مشاويري يكون لوسط البلد . هناك فقط أعود الصبية الصغيرة التي تستعجل الحياة لترسم أحلامها من جديد، تأكل الكنافة والفلافل وتجوب الأسواق بحثاً عن ما سقط سهواً من الذاكرة ، ومشياً على حواف الحلم تقودني قدماي الى دوار ياريس وأشرب القهوة من كشك على ناصية الطريق
عمان التي تحتضن قلبي بعد كل غياب جبالها وحاراتها .. لياليها ومقاهيها .. حتى الرفاق القدامى .. خارطة الطريق لكل من ضلت به الدروب…
قد تكون تفاصيل صغيرة لا معنى لها عند البعض، لكن صدقوني ما ترونه لا معنى له هو قوت كل من أجبرته الحياة ليغادر زقاق عمان بعيداً، يتكيء عليها زمناً طويلاً من الإغتراب والدمع .
قوت أيام آتيات ليس لنا فيه سلوان سوى رائحة الكعك وصور حفرت على جدارن يتم أيامنا ،
نحن الذين ابتعدنا أملاً بغد أفضل نعد أيام غربتنا على أصابع يدينا،
أتدرون كيف نجيب عند سؤالنا من أين أنتم ؟ نحن من هناك .. من بلاد حبها يولد معنا قبل أن تصل أمهاتنا غرف الولادة
#وحد_صفك_وحد_صفك
جميل هذا الاستذكار والاستحضار.
عشنا الحياة بتناقضاتها كافّة، وما زالت رائحة الكعك، تجذبنا للحنين لماضٍ، رغم عثراته، إلاّ إنّه كان جميلاً.