الأردن يواجه موجة انتقادات شعبية مع تصاعد متاعب الحكومة
العالم الآن – عندما جرفت سيول مفاجئة مجموعة من التلاميذ إلى حتفهم في الأردن الشهر الماضي كشفت موجة من الانتقادات الشعبية عن استياء أوسع نطاقا داخل المملكة.
أثارت هذه الموجة التي استهدفت الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي علامات استفهام عن كيفية السماح بدخول منطقة معرضة لخطر السيول الموسمية قرب البحر الميت. وتم عزل وزيرين بسبب هذه المأساة وأمر الملك عبد الله بإجراء تحقيق.
وعكس رد الفعل التحديات التي تواجه حكومة تلقى صعوبات في كسب التأييد الشعبي في عدد من القضايا على رأسها الزيادات الضريبية اللازمة للمساهمة في سد العجز الكبير في ميزانية الدولة.
واشتدت الانتقادات على فيسبوك وتويتر طوال العام بلا هوادة بعد أن غير الملك عبد الله الحكومة في يونيو حزيران في أعقاب موجة نادرة من الاحتجاجات على الوضع الاقتصادي.
وقال الكاتب السياسي الساخر أحمد حسن الزعبي في تغريدة يوم 17 نوفمبر تشرين الثاني ”السجن لا يخيفنا وكلمة الحق سنقولها ما حيينا… والوطن بده يزبط“.
كما أدلى الأمير حمزة ولي العهد السابق وأخو الملك عبد الله بدلوه فطالب عبر تويتر في سبتمبر أيلول بشن حملة على الفساد في القطاع العام كنقطة بداية للإصلاح وهي دعوة كان الملك قد أطلقها بنفسه.
وبالنسبة للأردن حليف الولايات المتحدة الذي يعد استقراره من الملامح الأساسية في الشرق الأوسط منذ عشرات السنين كان هذا العام عاما صعبا.
فقد اضطرت الحكومة لخفض الإنفاق وزيادة الضرائب في مواجهة التداعيات الاقتصادية لسنوات الاضطراب في المنطقة وتقلص الدعم من دول الخليج العربية نتيجة لانخفاض أسعار النفط وحرب اليمن.
ومما يزيد الضغوط أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اقترح خطة لإحلال السلام في الشرق الأوسط مست وترا حساسا في الأردن حيث يعيش ملايين المواطنين من أصول فلسطينية جنبا إلى جنب مع الأردنيين.
ورغم علامات الاستفهام حول ما إذا كانت ”صفقة القرن“ التي طرحها ترامب ستتحقق فقد أثار نهجه مخاوف قديمة من أي محاولة لتسوية الصراع بطريقة تلائم إسرائيل وتضيع حقوق الفلسطينيين على حساب الأردن.
وقد طور الأردن، الذي يرتكز استقراره على جهاز عسكري وأمني قوي، اقتصادا من أكثر الاقتصادات العربية انفتاحا واستثمر في التعليم وفي البنية التحتية بما في ذلك مطاره البراق والطرق.
وأقام الأردن الذي يعد حائط صد في مواجهة تطرف الإسلاميين سلاما مع إسرائيل واستوعب موجات من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين. كما استطاع اجتياز اضطرابات الربيع العربي عام 2011 رغم أنه لا يزال يواجه بعض المشاكل التي أثارت اضطرابات على المستوى الإقليمي في ذلك العام وبخاصة البطالة بين الشباب.
ومنذ الاحتجاجات التي حدثت في الصيف لم تظهر أي بوادر على اضطرابات في الشوارع. ويتمتع الملك عبد الله والأسرة الهاشمية بتأييد قوي ويمثلان عامل توحيد بين العشائر الأردنية والفلسطينيين.
غير أن الأسرة الملكية بدأت تتعرض لانتقادات مؤخرا وإن لم يكن للمرة الأولى.
في أكتوبر تشرين الأول رفعت مجموعة من كبار ضباط الجيش المتقاعدين وشخصيات عشائرية والنشطاء من الدوائر الموالية تقليديا للأسرة الملكية مظالمها في عريضة مباشرة إلى الملك عبد الله.
هاجم الموقعون على العريضة سياسة ترامب في الشرق الأوسط وحثوا الملك على الوقوف بحزم في وجه أي تحركات تلحق الضرر بالأردن.
وأعلن الملك في أعقاب ذلك أنه لن يجدد العمل باتفاق تنتفع بمقتضاه إسرائيل بأرض زراعية أردنية قرب الحدود منذ معاهدة السلام الموقعة عام 1994 في خطوة حظيت بالتأييد في الداخل هدفها فيما يبدو امتصاص بعض الغضب.
كما تضمنت العريضة دعوة للملك لمنح مزيد من الصلاحيات للبرلمان.
وقال فايز الطراونة الذي يعد من أعمدة المؤسسة الأردنية وسبق أن شغل منصب رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي إن الولاء كاسح في الأردن لكنه لا يعني أنه لا توجد هنا وهناك بعض الجيوب المعارضة التي تعارض حتى ”العرش“ نفسه. وأكد أن هذه الجيوب لا تذكر لكن صوتها سيبدو كبيرا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
ولأن الصحافة المطبوعة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية موالية للدولة ولا توجد أحزاب سياسية معارضة منظمة أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي قناة للأصوات المعارضة.
وشنت الحكومة حملة توعية شعبية عن مخاطرها. وانتشرت لافتات في عمان في الأيام الأخيرة كتب عليها ”الأخبار المفبركة تعيق التقدم وتربك الرأي العام“.
وقد تدخل الملك عبد الله في النقاش عن دور وسائل التواصل الاجتماعي بنبرة قوية على غير المعتاد إذ استهدف ما وصفه بالشائعات والأكاذيب المنتشرة على الإنترنت في مقال مطول نشرته وسائل إعلام موالية للحكومة.
وردا على تكهنات حول غيابه شهرا كاملا هذا الصيف انتقد الملك عبد الله ”موجة الشائعات والأكاذيب“ التي انتشرت حول عطلته السنوية. وقال الملك ”ظل السؤال قائما: أين الملك؟! ليستمر البعض بالتشكيك في وجودي حتى وأنا أمامهم“.
وأضاف ”للأسف، حاول البعض في الآونة الأخيرة نشر الإشاعات التي تستهدف معنويات الأردنيين وتماسكهم“.
وتابع ”أصبحت الحاجة ملحة اليوم لتطوير تشريعاتنا الوطنية، بما يؤكد على صون وحماية حرية التعبير، ويحفظ حق المواطنين في الخصوصية، والقضاء على الإشاعات والأخبار المضللة ومنع التحريض على الكراهية“.
وقال ”وأؤكد أن كل من يسيء إلى أردني، سواء من عائلتي الأردنية الكبيرة أو الصغيرة، فهو يسيء لي شخصيا“.
قالت منظمة العفو الدولية إن المقال بدا وكأنه يشير إلى تأييد الملك لتعديلات مقترحة على قانون جرائم الإنترنت من شأنها أن ”توجه ضربة مدمرة لحرية التعبير في الأردن“. وكانت هذه التعديلات قد أرسلت إلى البرلمان في سبتمبر أيلول.
وقال علي بريزات وهو معارض من بلدة ذيبان دخل السجن مرتين بسبب أنشطته المعارضة ”إنهم يخشون كثيرا الفيسبوك“.
وتجاوز بريزات (55 عاما) الخطوط الحمراء التي تسمح بانتقاد الحكومة دون الملك.
وتعد بلدته من المناطق العشائرية التي بني على أساسها التأييد للأسرة الهاشمية بين الأردنيين الأصل. وقد استفاد كثير من سكان البلدة من الوظائف الحكومية بمن فيهم بريزات نفسه إلى أن استقال عام 2001. كما أن قائد الشرطة الأردنية من المنطقة.
وكانت الفترة الثانية التي قضاها بريزات في السجن في يناير كانون الثاني عندما احتجز شهرا. وأثار احتجازه احتجاجات في ذيبان.
ووقع بريزات وهو محام يعمل أيضا بزراعة الزيتون في أرض أسرته بالبلدة العريضة وقال إنها ”رسالة واضحة وصريحة موجهه للملك والجهات التي تدعمه في الخارج“.
وأضاف ”الشعب الأردني قاعد يقول للملك أنت مطلوب منك واحد اثنين ثلاثة أربعة. احنا في خضم هذا الجو اللي يسود الإقليم لا بدنا نغير نظام أو شي… أنت صاحب القرار وأنت المعني الأول والأخير بتغيير كل شي“.
وقال بريزات إن احتجاجات وقعت في ذيبان خلال الربيع العربي لكنها تركزت على المطالبة بالمزيد من الوظائف والخدمات الحكومية لا على الإصلاح السياسي. وساهمت زيارة قام بها الملك عبد الله للبلدة في تهدئة الوضع.
وتطغى الأزمة المالية في الأردن الآن على قدرة الدولة على تمويل الوظائف والخدمات. وقال الطراونة إنه لا يمكن فصل الأزمة المالية عن عدم الاستقرار في المنطقة.
وأضاف أن ما يحتاجه الأردن فعلا هو حوار مستمر داخل البلاد لشرح الإجراءات التي تتخذها الحكومة بقدر أكبر.” رويترز “