مصر التي كانت – هيثم العجلوني – فلوريدا
العالم الآن – لم تكن القاهره من ضمن المدن الأكثر روعه في العالم وحسب ، بل كانت مدرسة العرب وجامعة العرب ، وأزهر المسلمين ، تؤثر في الغرب كما تؤثر في العرب ، سواء هي ذهبت إليهم أو هم جاءوا إليها ، وكانت مصر حينئذٍ رائدة الآداب والفنون والصحافة ، وملتقى المشارق والمغارب ، والباحثين عن العراقه والألق ، وكانت قِبلة الحب والتسامح وصانعة الثقافة ، يترأس تعليمها عميد الادب العربي ، الذي ولد على حافة قناةٍ كان يعتقد يوماً انها حدود العالم ، ومنها خرج العقّاد ونجيب محفوظ ، ومن شواطئها كانت تُبحر افريقيا برمّتها ، المُحزن في الغالب هو ليس السقوط بحد ذاته ، بل مستوى الارتفاع الذي تسقط منه الدول ، لا يوجد لدينا نسب دقيقه للأميين وسكّان المقابر والجياع في مصر اليوم ، لكننا نعلم بان البلاد التي كانت تصدّر العباقرة ، اصبحت اليوم تصدّر العمالة الأرخص في الشرق الأوسط ، وان نصف شبّانها ينامون على ابواب سفارات شعوبٍ كانت مصر يوماً تأويها وتطعمها ، وان كل فرد من نصفها الاخر بات اعزلاً ومربوطاً بذيل خيبه ، ولا يتمنى سوى خيمه ، وعندما كان الروسي ذات حاله يواجه مصيره بمفرده ، وضعيفه يواجه تيارات السحق وطفرة الغرائز ، وكل اشكال الذل بمفرده ، الا في طوابير الخبز والعوز والبؤس والفاقه ، اخترعوا له لعبة قمار او قُل لعبة انتحار ، أطلقوا عليها ( الروليت الروسي ) ، ولمن لا يعرف قوانين هذه اللعبه المُميته ؛ يُحضر المقامرين مسدس بعجلة رصاص تحتوي على ستة حاضنات للرصاص ، يضعون في احداها رصاصه واحده فقط ، فيما الخمسه الباقيات فارغات ، ويقوم المُراهن بتدوير العجلة عشوائياً ، ومن ثم يُدفع بالمسدس الى المُقامر بحياته ، فيُصوّب بدوره فوهة المسدس الى رأسه ويضغط على الزناد ، فإن نجا ، قبض الرّهان ، وان استقرت الرصاصة في دماغه ، دفنوه دون شهادة وفاة ، و ارتاح المُعذّب من الوقوف في طوابير البرد والجوع ،، اما الاكثر فزعاً وقسوه هو طبعاً تكرار المشهد ! وقد ظلّت هذه المقامره المرعبه لزمن تتصدر لائحة المقامرات الأبشع في التاريخ ، حتى برز لنا مؤخراً اصحاب الأحزمه الناسفه او لنسمّيها ( روليت الجنّه ) ، وهذه المقامرة يا طويلين العمر مختلفه تماماً ، انتحار بالجمله لا مُفرَّق فيها ، حيث يقوم المحرّضون بتحضير حزامٍ ناسف مدجّج بالمتفجرات والابتهالات والتكبير ، ويوثقون به وسط المُقامر ، فإن انفجر الحزام وارداه ممزّقاً ، هو ومن فجر نفسه وسطهم من البشر الأبرياء ، مضى بطلاً شهيداً وفاز بالجنه بما فيها من ( حورٍ عين وخمرٍ وخلود ) ، وان فشل ، يقولون ( لا سمح الله ) فلن يرضى عنه المهووسون والأنجاس والتكفيريّون ، وعلى وجه التحديد ، لا الظواهري ولا القرضاوي طبعاً ، وبالمناسبه كلا ( الشيخين ) ، ربما بالصدفة السوداء جاءا من بلاد صاحب ( الايام ) طه حسين ( ونجهل إن جهلنا فوق جهل الجاهلينا ) .