المثقّف الثّرثار * – د. غسان عبد الخالق – الأردن

0 604

العالم الآن – المثقّف الثّرثار، لم يقرأ ولم يكتب منذ سنوات، لكنه يصرّ على إطلاق الأحكام، وتوزيع الصفات، وإصدار الصكوك؛ يشجب رواية لم يطالعها، ويستهجن مجموعة قصصية لم يطّلع عليها، ويستنكر ديوان شعر لم يتصفحه، ويشن هجومًا على كتاب نقدي لم يكلّف نفسه عناء المرور بفهرسه!

المثقّف الثّرثار، الذي يجيد إعادة إنتاج كل ما يسمع، في المقاهي والندوات والسّهرات، يرفض الإقدام على شراء أي كتاب جديد، أردني أو عربي أو عالمي، لأنه استوفى الإلمام بكل شيء، ويكتفي بقبول الإهداءات التي يراكمها في رفوف مكتبته المهجورة. ومع أنه لم يكتب صفحة واحدة منذ سنوات، إلا أنه لا يدّخر وسعًا لإسداء النصائح، وخاصّة للكتّاب الشباب، بخصوص كتابة الرواية أو القصة القصيرة أو القصيدة أو المقالة النقدية!

المثقّف الثّرثار، العابر للمحاضرات والندوات والملتقيات والأمسيات، والذي يتقن الظهور في الدقائق الخمسةالأولى أو الأخيرة، متخصص في إطلاق المبادرات وإصدار البيانات، لكنه سريع الملل وكثير الضجر، لأنه أول من يدير ظهره للمبادرة التي أطلقها، وأوّل من يتناسى البيان الذي دبّجه!

المثقّف الثّرثار، الذي لم يقرأ ولم يكتب منذ سنوات، وقته ضيق وثمين، لأنه ما زال يعتقد بأن فن العلاقات العامة أجدى وأنفع من فن تطوير الذات، ولأنه مهووس بالسّفر وبالمشاركة في المهرجانات، وبالحصول على المزيد والمزيد من عضويات الهيئات الثقافية المحليّة والعربية والدولية!

المثقّف الثّرثار، الذي لم يعتذر عن المشاركة في أي ندوة دُعي لها – وخاصة إذا اشتملت على مكافآت مالية- وفي أي لقاء تلفزيوني، وفي أي حوار صحفي، لم يفِ منذ سنوات بوعده لمنظمي الندوات، ولم يسلّم بحوثه المزعومة، لأنه يكتفي دائمًا بكتابة بضع ملاحظات على قصاصة ورقية، ويواظب على تجاوز الوقت المحدّد للحديث!

المثقّف الثرثار، الذي لا يدّخر وسعًا للثناء على كل كاتبة واعدة، قبل أن يطالع نصوصها، لا يدّخر وسعًا أيضًا، لصبِّ جام غضبه عليها، إذا أصدرت كتابًا ولم تطلب منه أن يكتب مقدمة له، أو إذا أشهرت كتابها ولم تدعه للمشاركة في الحديث عنه!

المثقّف الثّرثار، الذي ما زال يفاخر بكتابه اليتيم، لم يترك جائزة ثقافية محلية أو عربية، إلا وتقدم لها شخصيًا، وطالب كل الهيئات الثقافية بأن ترشحه للفوز فيها، لكنه بعد إعلان النتائج، سرعان ما يوزِّع الاتهامات على الجميع، واصفًا إياهم بالتحيز والمحاباة والخضوع للضغوطات الدولية!

المثقّف الثّرثار، الذي ما زال كثير من زملائه لم يسمع باسمه ولم يقرأ له، مقتنع بأنه مستهدف، وبأن أعتى المراكز في العالم، تعمل ليل نهار، على تغييبه وطمس إنجازاته، رغم أنه من ألد أعداء نظرية المؤامرة!

المثقّف الثّرثار، الذي هجر مكتبه منذ سنوات، يستلقي منهكًا على أريكته في الحادية عشرة ليلاً، ويستعرض عبر شاشة حاسوبه المحمول، كل ما أدرجه الأصدقاء والصديقات من نصوص ومنشورات، في وسائل التواصل، ثم يهرع إلى معرض صوره لينتقي صورة معبّرة، صورة تظهر حزنه الشديد وجدّيته البالغة وتأمّله العميق، فيدرجها على صفحته مشفوعة بتعليق مختصر: ما أقسى أن تكون مثقفًا ملتزمًا

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد