المؤامرة العالمية ضد المجتمع الليبي – عبد الوهاب العالم – ليبيا
العالم الآن – إن العالم بأسره يتآمر على المجتمع الليبي… هذه حقيقةبديهية. ولا أقصد هنا “الغرب” وحده، وإنما “دول الجوار” أيضا… تلك التي يدعوها السياسيون بالشقيقة !
ببساطة متناهية…هي مؤامرة لنشر الانحلال داخل المجتمع، وليست هي الأولى… إذ أن تاريخنا مليء بمحاولات متكررةلاختراق عاداته المحافظة، لكن تاريخنا نفسه، يخبرنا أن الليبيون أنفسهم تآمروا على أمم أخرى طيلة وجودهم على الأرض !
أجل… فمنذ اعتلاء شيشنق عرش مصر بين عامي 922 –943 ق.م وحتى استيلاء أحمد باشا قرمانلي على ليبيا عام 1711 م … و”الليبيون” متهمون بمؤامرات بالغة الخطورة !
وإذا عارضت بأن شيشنق الذي تولى العرش عبر توغل أسرته في منظومتي الكهانة والعسكر في مصر القديمةوالقرهمانلي الذي ذبح الولاة على مائدته، لينفرد بحكم البلاد، لا يمثلان نموذج المؤامرة الحالية، فلا بأس… لكنه يدل على أن أسلافنا لم يكونوا ملائكة… على الإطلاق!
بل أنه يجعلنا –نحن الليبيين- مجتمعا طبيعيا، يعتمد المؤامرات السياسية كوسيلة للسلطة، كأي أمة أخرى على هذا الكوكب… أقصد إن التاريخ الإسلامي ذاته مليء بالمؤامرات والمكائد، أبرزها قيام (الخلافة العباسية) بعد نجاح مؤامرةدموية ظلت تُحاك لعقود طويلة تحت اسم (الدعوة) … هي ذاتها (الخلافة) التي يفتخر بها المسلمون، وهو ذاته شيشنق الذي نحتفل بصعوده العرش كل عام بتحية: (اسقازدمقاز) وصنع العصيدة ! وهو كذلك أحمد باشا القرهمانيالذي أسس دولة يفتخر بآثارها الليبيون!
وهؤلاء الليبيون، الذين يتعرضون اليوم لحملة تشييع… كانوا أنفسهم حماة الشيعة منذ عام 145 هـ بل أن قبيلة البرانس الليبية مكّنت الدعوة الشيعية من الوصول للمغرب الأقصى !
والليبيون الذين يتعرضون اليوم لحملة تبشيرية… ظهر منهم القديس مرقص Mārcus الذي بشّر بالمسيحية في أنحاء العالم القديم!
ثم ظهر منهم آريوس Ἄρειος الذي كاد يهدم المسيحيةبمذهبه الذي وصفته الكنيسة بالشيطاني !
إذن، من المضحك أن تُصوّر ليبيا كضحية بين الوحوش… وقد أنتجت ثقافتنا –عبر تاريخها الطويل- زُمرة من المتآمرين المُبشرين بأيدلوجيات غريبة على مجتمعات مجاورة!
فمن الطبيعي أن تتآمر المجتمعات على بعضها لكي تحقق غاياتها.. أو دعنا نقول أنها ليست مؤامرة بقدر ما هي طبيعةالتداخل الثقافي واقتراض العادات !
وبمناسبة ذكر العادات… فالدفاع عنها، أصبح اليوم مسألةمصيرية، أجل… أقصد أن ثمة سعي لنزع الاحتشام عنالنساء وبث الدياثة بين الرجال… والتخلي عن العادات عموما!
بيد أنه لا وجود لإحصائيات علمية تؤكد هذه الإدعاءات…لكنها منتشرة على كل حال، إذ أنها تقدم “العادات” على أنها ثابتة وبالغة القدم في مجتمعنا…وهو ما يفضح جهل المدعين بهذا القول… فالعادة مصطلح ينتمي لعلم الاجتماع أصلا، ولا علاقة له بما يدافع عنه المتحمسون على التويتر والفيسبوك !
فمثلا، يظن هؤلاء أن لباس المرأة، المثالي، أي المحتشم والتقليدي، هو “الفراشية” والواقع أن لبس “الفراشية“محصورهي منطقة واحدة في ليبيا، بل أن “الفراشية“ تغير شكلها بشكل جذري طيلة تاريخها في الغرب الليبي ! ثم تطور اللبس النسائي ليكون “الجبة والتستمال“.. وحتى هذا تغير لارتداء “الوشاح“ … ثم دخل النقاب منذ أقل من ثلاثةعقود مضت ! فأيهم هو “العادة“ ؟
لهذا ثبات العادات والتقاليد… وهم، من شأنه تدمير المجتمعفي حال تغيرت الظروف السياسية والاقتصادية للأسوأ…
عندها، تستحيل معادلة العادات “الثابتة“ في مقابل مؤامرةالانحلال، إلى هوس Feticismo
… هذا “الفتيشسمو” ينشط عند الأزمات السياسية /الاجتماعية كما تقدم، إذ في غمرة “البرانويا Paranoia“ في العهد العثماني الثاني من الاستعمار الأوروبي الذي يأكل شمال أفريقيا، قُبض على شباب يقرأون داخل مكتبة عامةفي طرابلس بتهمة السحر والتآمر على الدولة !
وتُغلق الجمعيات الأهلية والأحزاب خوفا من المد القومي في العهد الملكي ونسمع لأول مرة عن “الغزو الثقافي” ضمن حملة نظام الجماهيرية ضد “الظواهر الهدامة“ .
و”الفتيشسمو“ يعود بعد سنة 2011، بدعاوى مستحدثة… إذ يسمع الليبيون لأول مرة مصطلح “الاختلاط” وخطورته… فينهمك المسئولين –ومن ورائهم المجتمع– في فصل البنين عن البنات داخل المدارس، ونترك قضايا الاقتصاد والدستور، أقصد تلك القضايا الحقيقية… العاجلة..فينهار الأول ويُهملالثاني .
دعك من الهوس بالمرأة والتشيع والمثليين والمجتمع المدني والعلمانية…بل وعبادة الشيطان، وكل ما يمكن أن يجعلك تنهار وتتقوقع على نفسك… وهو المطلوب من هذا الهوس على كل حال.
وبانتفاء الرشد، يستسلم المجتمع للجنون، فيُلقى القبض على سيدات في بنغازي لاجتماعهن في مقهى، ويعتقل شباب يحتفل في مصراته في دار خاصة… وفي طرابلس تُضبطالسائقات لعلو الموسيقى في سياراتهن… وغير ذلك من مظاهر تشي بالجُبن، فبدلا من محاربة المؤامرة القادمة من “الخارج” بمؤامرة توجه للخارج…نقوم نحن باعتقال النساء والشباب !
إذ ليس ثمة مساحات عامة لتناول الظواهر والمفاهيم عبر (النقاش المتزن) كما اسماه النيهوم ، بالرغم أن لدينا الجامع والجامعة والبرامج الحوارية لتنفيذ ما اقترحه الفيلسوف الليبي، لكن مهلا، نحن لا نستطيع القيام بذلك، فالنيهومأيضا يُعد “شيعيا شيوعيا علمانيا منحلا”!
لهذا…لا نملك كأفراد -حتى الآن – سوى اللقاءات الخاصةوبعض زوايا الانترنت لممارسة طقس النقاش المتزن كي لا يصيبنا داء الجنون… ذلك الجُبن المرضي من غول “المؤامرةالعالمية على المجتمع الليبي” .
مقال جيد و نقاط مهمة . شكرا
ليس ثمة شك بأن كثيرين يتلذذون بعيش هذا الدور، إنها مؤامرة كونية تهدف للنيل من هذا الشعب الطيب العظيم و.. – هذا هو الاهم- الشعب النقي البريء.
من المهم الإضاءة على نقاط كثيرة ذكر بعض منها في المقال، ينبغي أن نواجه المسألة دون رثاء الذات، ودون تزييف للحقائق أو للمفاهيم، لن نتقدم خطوة واحدة دون أن نتعلم خوض نقاش جاد ورصين نتعلم من خلاله أن وجود المختلفين أمر طبيعي، وأن الحرية الشخصية حق طبيعي..
ثمة الكثير لتعلمه.. الكثير ..