الغيوم سوداء والشمس مشرقة – يارا الغزاوي – الأردن

0 433

العالم الآن – في حياتنا أصبحت الدقيقة هي الزمن ؛ والزمن هو ذلك الدولاب الذي يدور بنا وحولنا؛ ولكل منا دولابه الذي قد يتوقف في لحظة ما دون استئذان.

تصطدم الأعين يوميا بالفضاء المعتم والذي أخذت خيوط النور الدقيقة تتسلل منه تدريجيا؛ نحدق في تلك الظلمة الآخذة بالانتشار بشكل سحري مبهم يضيئها وهج القمر ؛ وأعيننا تنتقل من نافذة إلى أخرى صوب نوافذ البيوت المقابلة لنا ؛ حيث بدأت المصابيح الكهربائية تتوهج واحدة تلو الأخرى ؛ نفكر مليا ماذا يفعل الناس في تلك البيوت وبماذا يفكرون ؟ لا بد أن هناك امرأة تعد الطعام لأولادها؛ أو قد يكون خلف إحدى تلك النوافذ شاب قد استيقظ ليلتحق بوحدته العسكرية بعد إجازة قصيرة ؛ وقد تكون خلف تلك الأبواب الموصدة امرأة تصلي بخشوع إلى رب يعبد؛ أو رجل يطفئ سيجارته ليشعل أخرى.

خلف تلك المصابيح المتوهجة والظلال المتحركة والستائر الداكنة أو الشفافة ؛ نتساءل عن حجم الأحزان أو الأفراح في حياة الآخرين ممن هم حولنا لا نعرفهم ولا يعرفونا.

في الصباحات المتتالية و في تلك اللحظات التي ينفصل فيها الضياء عن العتمة المتلاشية تدريجيا نستيقظ يوميا وكلنا أمل بنهار جديد يحمل في طياته الفرح والانفراج.

نبدأ نهارنا ونحن في طريقنا الى العمل؛ او قضاء حاجة ما بالاستماع إلى الإذاعات المختلفة ؛ وذلك بشكل متواصل أو منقطع ؛ لمعرفة مجريات الأمور من حولنا ؛ ولكن البعض منا يدرك تماما أن الاستماع لها بشكل مستمر قد يضيف إلى همومنا هموما أخرى ؛ وقد نجد نفسنا محاصرين بمشاكل لا حد لها ؛ بل إننا نرى مشاكلنا أحيانا مضاعفة في مرآتهم أو مشوهه إلى حد كبير؛ فنكتفي وقتها بالاستماع إلى الصوت الملائكي الفيروزي الذي يمدنا بطاقة إيجابية كلها حياة وأمل .

أصبح حال الناس أينما ذهبنا مضجرا؛ مثقلا بالهموم؛ هذا هو الهاجس الذي يتملك الناس ويسيطر عليهم بشكل عام ؛ فهم دائموا التذمر يتحدثون بمرارة عن الفقر والغلاء؛ ويقولون باستمرار أن الكثيرين قد استغلوا الوضع الاقتصادي الحالي من أجل تحقيق الثروات وزيادة الأرباح على حساب الوطن المنكوب واقتصاده المتهالك وعلى حساب الناس البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة .

أسئلة الناس أصبحت كثيرة؛ لماذا حدث ما حدث ! ولماذا وصلنا إلى هذه النقطة! ما هي المرحلة التالية في ظل الظروف الراهنة المحيطة بنا في الداخل والخارج ! وهل سينتهي بنا الأمر عند هذا الحد ! أسئلة تتفرع عنها أسئلة أخرى ؛ والناس تدور في نفس المتاهة دون أن تجد جوابا شافيا لأسئلتها المتكررة.

في المقابل نجد في تلك الزوايا ندوات مختلفة؛ تحليلات سياسية واقتصادية دون حلول واقعية ؛ تقارير إخبارية؛ مبادرات تكاد تكون نوعية وهي أقرب للسطحية؛ ترف منقطع النظير ؛ سيارات فارهة؛ أسواق ومقاهي تعج بالناس ؛ أزياء باهظة الثمن؛ عطور فاخرة؛ و أحجار كريمة تكاد تبهر الناظرين .

تكرار الأحداث وتكرار الأصوات وتكرار الأفعال وردود أفعالها أصبحت تخلق تدريجيا نوعا من اللامبالاة عند البعض من الناس ؛ فيما تزرع حزنا متأصلا وكآبة دائمة تمتد جذورها في أعماق نفوس أخرى من الناس . يظهر ذلك بوضوح فترى وجوها مرتخية صفراء؛ أو مشدودة متوترة ؛ يعبث القلق في ملامحها؛ تثور لأتفه الأسباب ؛ و تغضب دون مبرر واضح؛ أصابها الإرهاق والتعب؛ وتسلل الملل اليها خلسة وانطفأ الأمل بداخلها فجعلها تفقد أجل معاني الإنسانية فبدأت تقتل وتسفك الدماء وتهتك الأعراض وتتعاطى الممنوعات للهروب من قسوة الواقع إلى واقع أشد مرارة وظلمة.
#ياراوليدالغزاوي

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد