شبهات بين المعارضة والإستعراض -د.غالب سعد – الأردن
العالم الآن – كنت في لقاء مع نخبة من الزملاء العرب للحديث عن ” الحريات والتنمية ” ومن ضمنها حرية التعبير، وأثناء الاستراحة، اشتبك الزملاء في نقاش حاد عن المعارضات في بلدانهم، ولما لاحظوا عدم مشاركتي في الحديث، بادرني أحدهم بقوله، كأن ليس عندكم معارضة في الاردن لتتحدثون عنها، وقبل أن أجيبه اضاف، كانت عندكم معارضة نشطة في الماضي، ولم يتبقى منها اليوم سوى اصوات تغرد خارج السرب، وفسيفساء سياسية في طريقها للإندثار، بعد أن اندثرت الأنظمة القومية والشيوعية التي كانت تدعمها.
كان علي أن أجاريه في الحديث عن المعارضة الاردنية باختصار، وأعترف بدبلوماسية، انني لم اتعرف على المعارضات القديمة، ولم أشعر حتى اليوم، ان لدينا معارضة حقيقية مكتملة الأركان، بالمقارنة مع معارضات الدول ذات الأنظمة القمعية المغلقة، تعمدت أن ابدأ بهذه الفكرة المختصرة، لأن مُحَدثي كان واحداً من مواطني تلك الدول ومن المعارضين الذين قضوا معظم حياتهم في المنافي والشتات، ورجعت اليه بالسؤال، ألم تلاحظ في تجوالك بين العواصم، ندرة المعارضين الاردنيين الذين تركوا البلاد لأسباب سياسية أو مُنِعوا من العودة اليها، واذا صادفت من يَدّدعون ذلك، فكن على يقين أنهم ممن عاثوا في البلاد فساداً، واختاروا العيش في أحد الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة الأمريكية، للهروب من أحكام قضائية تلاحقهم في جرائم مالية أومسلكية، ادارية او عائلية، ولأنهم قلة لايتعدون عدد أصابع اليد، فهم يعرفون بعضهم، ومن السهل التعرف عليهم، او مقابلتهم في الشوارع او الحدائق العامة والمقاهي الشعبية، هائمين على وجوههم بدون اختصاص او مهنة يشغلون بها اوقاتهم أو يبررون بها وجودهم في بلدان اللجوء.
في مثل هذه الحالة، من الضياع ومحاولة الهروب من ذكريات سوداء تلاحقهم، يختارون مهنة المعارضة الإستعراضية، وشتان بين المعارضة والإستعراض، نجدهم أحياناً متلبسين خلف الكاميرات وعبر منصات التواصل العابرة للقارات، يتحدثون في قضايا اكبر من جماجمهم المتواضعة، ويتصيدون حكايات أصغيرمن اهتمامات المواطن الاردني، يحاولون إيهام مشاهديهم، أنهم يملكون مفاتيح الحل والربط في البلد، ولديهم اسرار العوالم السفلية والعلوية فيه، وهم على اختلاف أسمائهم وعناوينهم، نسخة مكررة في المواضيع والأساليب، يتبادلون الأدوار والخبرات في تأليف قصص خيالية، محشوه بالأكاذيب حول تاريخهم الشخصي وأسباب وجودهم ونشاطهم، يعشقون القصص المثيرة حول حاضر الوطن ومستقبله، والنبش في خصوصيات الناس وابتزازهم، وحتى يحصلون على حق الاقامة والارتزاق في البلد المضيف، يتقمصون شخصية المعارضة المضطهدة والمطاردة بسبب مواقفها وافكارها، ويدعمون مزاعمهم برفع شعارات الوطنية والاصلاح ومحاربة الفساد، بينما هم لا يمثلون شيئاً غير الفساد، ليس لهم ماضٍ ولا حاضر ولا مستقبل، ولم يقدموا اي مساهمة او انجاز، سوى القصص المخزية التي يجرونها خلفهم، ويحاولون طمسها وتبييض سمعتهم لكسب التعاطف والمصداقية أو تضليل من لا يعرفهم، يبحثون عن إحساس بالأهمية والاهتمام بأي ثمن، يحاولون تسجيل حضورهم في المشهد الأردني عن بعد، يزجون بأسمائهم في قصص وهمية مع شخصيات هامة ومعروفة، أو يروجون الاشاعات السوداوية عن حياة الاردن والاردنيين، ويطلقون دعوات التحريض على التظاهر والعنف وتخريب الممتلكات والسلم الاهلي، ويقدمون أنفسهم كملهمين للتغيير وقادة للحراكات والتحركات الشعبية.
حين يصيبهم الملل من الفراغ، والاحباط من الفشل، ينقلبون على بعضهم، بالتشهير والدسائس وكشف الأسرار والفضائح، وتسريب المعلومات بهدف الانتقام وتصفية الحسابات، هذه المسلكيات لا تمت لأخلاق الأردنيين وقيمهم بصلة، ولا تصدر عن إنسان عاقل مسؤول، يحترم نفسه وانسانيته ووطنيته، لذلك يرفضهم المجتمع الاردني، ويرفض طروحاتهم واساليبهم، فالمعارضة التي يقبلها المواطن بل يشعر بالحاجة اليها، هي المعارضة المخلصة للوطن ورموزه، النبيلة باهدافها والنظيفة في منبعها، والموضوعية في طرحها، معارضة تدرك ان كل اردني مهما كان موقعه وموقفه يمثل الاردن في نظر الاخرين، يحمل اسمه وتاريخه وهويته ورسالته بين الامم، ومن واجبه الوطني والاخلاقي المحافظة على هذه الأمانه، وان يقدر المصلحة فيما يقول وفيما يفعل، وأن يَحْذَر من المغرضين الذين يتربصون في الوطن، ولا يضع نفسة في صفهم او في خدمتهم.
[email protected]