الفتن حروب بلا أسلحة – د. غالب سعد – الأردن

0 538

العالم الآن – وصلني عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي، ما قيل أنها محاضرة ، لأحد الجنرالات الغربيين، حول الجيل الرابع من الحروب، وكيف يمكن الأنتصار فيها على الأعداء بدون أي سلاح، في البداية إعتقدت أن الموضوع شيء من الخيال، ولم أرغب في قراءته إلّا من باب الفضول، وما أن انتهيت منه حتى شعرت أنه يلخص حالنا، نحن العرب والمسلمين، منذ حرب داحس والغبراء في الجاهلية، مرورا بالفتنة الكبرى ومقتل سيدنا عثمان وبعدها موقعة، الجمل وصفّين وكربلاء ، حتى حروب القرن الماضي، بين العرب والمسلمين أو بين العرب أنفسهم او بين أبناء الشعب الواحد او حتى العشيرة الواحدة، تصورت كم كلفتنا تلك الفتن الداخلية على مدى التاريخ، من الأرواح والخسائر والدمار، كم أضعنا من الوقت والفرص في التناحر، حتى أصبحنا، أو نكاد في مؤخرة الأمم، هل توقفنا لنسأل، لماذا سبقتنا الأمم في كل علوم الأرض وفي علوم الفضاء، وبعضنا مازال يجتر الكلام ويبيع الاحلام والأوهام في الساحات والميادين.

تقول المحاضرة، ان الهدف من الحرب ليس تدمير العدو بالإشتباك المباشر، بل أنهاكه واستدراجه للتدمير الذاتي البطيء، حتى لا يشعر بالهزيمة إلّا وقد إنتهى تماما،ً دون أن يعرف من أين داهمه الخطر، وتقوم الإستراتيجية المعتمدة في هذا النوع من الحروب، على زعزعة الإستقرار في الدولة المستهدفة، على يد أفراد من مواطنيها، يتحدثون لغتها ويعرفون نقاط ضعفها، ليوجهوا لها الطعنات بجهلهم وغبائهم واحيانا بطمعهم، المهم أن تنتهي الى دوله فاشلة لا حول لها ولاقوة، لا تستطيع لوم أحد ولا العودة للنهوض من جديد، إن التدخل الوحيد المطلوب هو دعم وتشجيع هذه العناصر والمجموعات المحلية الشريرة، التي لديها الإستعداد للتمرد على الدولة والمجتمع، وهي بطبيعتها ليس لها انتماء إلّا لأهوائها ومصالحها، وهي معروفة بتطاولها على القوانين والقيم، والإساءة للآخرين بدون رادع، وتستطيع اثارة النعرات والفتن الطائفية والاقليمية والعشائرية، وبث الإشاعات وإحداث الشغب والإضطرابات في اكثر من زاوية من زوايا الوطن، أن مهمتها تهدف لتوريط أكثر من جهة في أعمال التخريب لإرباك الدولة وتشتيت تركيزها وتفتيت جهود أجهزتها، وفي نهاية المطاف تحقيق المطلوب منها وهو زعزعة السلم الأهلي وخلخلة اركان المجتمع، واستقراره وبث روح الخوف والشك وفقدان الثقة في النفس وفي الآخرين، تعكير الأجواء ونشر روح الإحباط والعزوف عن العمل والإنتاج وتعطيل مصالح الناس، في هذه الحالة من الفوضى تُفتح المزيد من الثغرات والمنافذ للمخربين والفاسدين والمقصرين للمساهمة طوعياً في عملية الهدم ، ولتبرير الدور التخريبي والمنطق المسموم، تغلف هذه الفئة خطابها بالشعارات الرنانة ودغدغة العواطف والعبث بحقائق الجغرافيا والتاريخ اوالدين والثقافة، وتتستر بقضايا تهم الناس، كالبطالة والعدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان، وما شابه ذلك، وقد تجد من يستمع لها، ويتبع دعواتهم من ضعفاء النفوس، ليجدوا انفسهم في شراك ينصبها العدو الخارجي، بمساعدة فئة ضالة، ويحصل ما حصل من حولنا في الماضي القريب، وإذا بالجميع يندب حظه من الندم.

أكملت القراءة وكأني أستعيد مشاهد فيلم وثائقي، حضرت أحداثه في أكثر من عاصمة عربية واسلامية، ذاقت مرارة الفتنة لفترة لا تقل في العادة عن عقد من الزمن بل تزيد، توقفت لوهلة أفكر في حالنا وحال أولادنا في الأردن، وحمدت الله على الأمن ولأمان، وعلى الحكمة التي تحلى بها الاردنيون، حكاماً ومحكومين، ولكن اليس من الحكمة أيضاً أن نسأل أنفسنا، هل نحن فعلاً في مأمن من هذة الآفة الشيطانية، آفة الفتنة الداخلية، الملعونة في كل الأديان وقواعد الأخلاق، فأمها بؤر التخلف والضحالة الفكرية، وأبوها ألامراض والتشوهات المجتمعية، وتنمو على تيارات الصرف الفكري المهرّبة عبر الحدود، كما تُهَرَب الكثير من الممنوعات والمحظورات، لا أخفيكم سراً، أني شعرت بشيء من القلق، حين استرجعت ما نسمعه احياناً من بعض غربان الإعلام ومواقع التواصل، وهم يقفون بين حفنة من امثالهم او اتباعهم، يخطبون بصوت جهوري بلا خجل ولا وجل، يدعون الناس والشباب بشكل خاص، الى النفير واالتجمع في الساحات، يذكرونهم بمناطق وتجمعات الشغب، ويحرضونهم على التطاول على النظام العام، والسلم المجتمعي، يبشرونهم باقتراب ساعة التغيير، ويعدونهم بتوزيع المغانم والمناصب، بعد إفتكاكها من يد “مغتصبيها “، كما يزعمون، ويستنهضون بهم أردنيتهم بذكر اسماء المناطق والقرى، ويخاطبون فيهم وطنيتهم، وكأنهم في معركة تحرير البلاد من الاحتلال ، ويلوحون باستعدادهم لدفع ثمن التضحيات،وكأن معرك الدوار الرابع ستكون أم المعارك.

هنا عاد الي هدوئي، وتبدل قلقي بشعور من الشفقة على أصحاب هذه الخطب العصماء، حين أدركت ان ما يردده لا يخرج في معناه ولا مبناه عن ما ورد في المحاضرة التي ربما اقلقت بتطبيقاتها البعض، ولكن هيهات هيهات، ان تهز شعرة في جسد الاردنيي وقيادتهم، وحين يجِدُ الجَد، سيكتشفون أنهم لم يكونو أكثر من ممثلين متدربين في مسرحية هزلية.

[email protected]

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد