نحارب من أجل الوطن وليس مع الوطن – هزاع العودات – الأردن
العالم الآن – تكثر الشعارات التي تُطالب بمحاربة الفساد..وينخرط الجميع في ترديد هذه الشعارات، لكن دون أي تحديد لمضمونها أو لكيفية تحديد هذا الفساد وطرق محاربته.
كلنا يعرف الفساد.. فوجهه لا يختلف كثيراً عن وجوهنا، يأكل ويتحرك هنا وهناك.. ويضحك معنا وعلينا.. نراه في المشاريع المتعثرة.. نراه في الأزمات المفتعلة.. من حين لآخر، نراه هدرا للمال العام.. نراه في الأسواق.. نراه في.. في.. في .. الخ.
لقد احتل كل الأمكنة وصار الآمر الناهي، يقف شامخاً في الوزارات والمؤسسات والإدارات.. والمستشفيات.. لكن كل من يراه يخشى أن يشير إليه بشكل صريح.. فالكل يرمز له برمز معين يلمحون إليه بأصابعهم لكن لا يفصحون عن هويته ويبينوها للناس.. وهنا تكمن المشكلة.
اليوم.. الكل يفتي في الفساد؛ حتى المفسدين أنفسهم أصبحوا لا يتوانون من التحذير منه ومن أضراره على المجتمع.. الكل يشخّص الداء ولكن لا أحد يجرؤ على القيام بالعلاج، وكأننا أمام أطباء يتلذذون بمعاناة مرضاهم، فتراهم في كل مناسبة يذكرونهم بمرضهم.. لكنهم أيضا.. في كل مرة يؤجلون لهم العلاج حتى يتغمدهم الله برحمته..!!
لا يوجد فساد معلق في السماء فالفساد يرتبط جوهريا بوجود فاسدين.. لذلك لا يمكن التعويل على محاربته دون تحديد واضح للفاسدين والتشهير بهم.. وبالتالي لن تقوم للإصلاح قائمة ما دام هناك من لا يزال مذعورا من الإشارة إلى حوامل الداء.. والاكتفاء بتشخيص فضفاض له وكأن الأمر يتعلق بكائنات فضائية تعيث فسادا في الأرض دون أن يلحظها أحد..!!
فالاكتفاء بمجرد التشخيص الفضفاض للفساد دون تسمية الفاسدين والتشهير بهم يترك الباب مفتوحا للمناورة الكلامية والخلط.. لا بل ودخول الفاسدين أنفسهم في الثرثرة حول الفساد.. فتشيع حالة من عدم الثقة في أوساط المواطنين والتشكيك في مصداقية أي خطاب حاليا ومستقبلا، حول محاربته.
لا يستقيم رفع أي شعار يدعو لمحاربة الفساد دون تحديد واضح وصريح للمفسدين والآليات التي يستعملونها في اختلاسهم ونهبهم للمال العام.. وتبذيره وإنفاقه خارج ما تقتضيه المصالح العامة، وغيرها من أوجه الفساد..!!
يظن البعض أن نقد الأخطاء ومحاربة الفساد “وقاحة”..قد تصل إلى مستوى “الخيانة” و”الخروج على “القانون”..
وهذا غير صحيح إطلاقاً، بل إن قمة “الخيانة” أن نتعامى عن الأخطاء والفساد والتقصير لأن كلفة بقائها تتضاعف كلما مرّ عليها الوقت..
مصيبتنا أصبحت.. لا تقتصر على المسؤولين الذين لا يتقبّلون النقد، بل تتعداهم إلى “جوقة المطبلين” الذين يلاحقون كل منتقدٍ للأخطاء وداعٍ للإصلاح، ليرمونه بشتى التهم.. وبسببهم بدأ الكثيرون يتحاشون الحديث عن الفساد أو الدعوة لمحاربة الفاسدين، لأنهم أصبحوا مهددين بالتصنيف في خانة (العملاء والحاقدين والمتربصين والمعادين.. إلى آخرها من الاتهامات).. مما يساعد الفاسد على الإستمرار في إفساده والمقصر في تقصيره..
فما أن تنتقد فساداً أو تقصيراً حتى ينبري لك هؤلاء ليتهموك .. فضلاً عن أنهم يحاولون خداع الناس بالقول: (إحمدوا ربكم أننا أفضل حالاً من اليمن والعراق والصومال و.. و.. )، وهذه بحد ذاتها مصيبة كبيرة، لأننا أصبحنا نقارن أنفسنا بمن هم أسوأ وأدنى منا في محاولة لشرعنة الفساد، لماذا لا نقارن أنفسنا بمجتمعات.. نعتبرها في كواكب أخرى كاليابان وألمانيا والسويد وغيرها ؟!
هم يريدون أن يوصلونا إلى مرحلة بدل أن نُحارب الفساد؛ نديره أي “إدارة الفساد” رغم أن هناك من يرى أننا وصلنا إلى تلك المرحلة..
كما أن التعويل على الوازع الديني في محاربة الفساد لا يجدي نفعاً، والاتكاء على ضمير الإنسان فقط، أيضاً لا يكفي، فما نشاهده هو أن السرقات تزداد، والنهب يتّسع، والأخطاء والتقصير يكثُران، والمحاسبة غائبة..
لذلك يجب أن لا نكتفي بالاتكاء على “الوعظ”، بل يجب أن يأخذ كل مواطن دوره في الدفاع عن الوطن ومقدراته، وعدم التستر على الفاسدين بحجة إظهار الصورة الناصعة، فالعدو الخارجي يكشّر عن أنيابه ويترقّب نقطة ضعف، والعدو الداخلي ممثَّلا بالفاسدين، يرون البلد “غنيمة” ويحاولون تقاسمها، والحقيقة أن فساد هؤلاء هو الذي يمهّد السبيل للعدو الخارجي كي ينال من الوطن..
.. حربنا ضد الفساد والفاسدين لا تعني أننا نحارب الوطن، ودعوتنا ومطالبتنا بهدم مؤسسة الفساد لا تعني أننا نريد هدم الوطن، فخصامنا.. من أجل الوطن..
لا مع الوطن..!!