الحسين في قلوب أجياله – هيثم العجلوني- فلوريدا

0 722

العالم الآن –  ثمّة شخوص ٍ لا يأتون الى الدنيا مع علبة حلْوى ، يعبرونها بتثاقل ، ويخرجون منها بخبرٍ عابر ! عندما توفي المغفور له الملك حسين ، تعطلّت حركة الهاتف الجوَّال في بلده لساعات ، لم يبق مواطن الا وابلغ عزاءه وحصّته من الحزن والدموع الى عزيز ، وتدافع الناس يومئذٍ على نحوٍ عفوي في كل الاتجاهات والهائمات ، لقد عاش الراحل حذراً في كل شيء الاّ في النضال من اجل وطنه وشعبه ، وكان يدرك ان للوجود ذاكره وان العمل عباده وان لا احد يُخلّد بل الاعمال ، ظهر في العلن ملكاً وكان في السر كومة اعصاب ، عرّف بحراكه وحنكته العالم بوطنه الفقير الصغير طوال حياته ، وفي يوم رحيله جمع زعماء العالم في قلب عاصمته وكأن مقرّ الامم المتحده انتقل اليها ، أتوا جميعاً ليجعلوا من جنازته ( جنازة القرن ) ، حين استقل اربعة مُتضادّون من رؤساء امريكا في سابقه اسطوريه ، طائره واحده لوداعه ، ومن بقية العالم أتى زعماء اعداء تصارعوا دوماً ولم يتقابلوا يوماً ، وضعوا صراعاتهم وخلافاتهم جانباً واتفقوا على هدفٍ مشتركٍ واحد ، وداعه ، وقد كانت صورة الملك الانسان في الخارج اكبر من حجم الاردن ، عرفه العالم من خلال همومه وتواضعه ، اذ لم يكن همّه يوماً إن كان مُترفاً او فرداً حرّاً ، ذلك ان قوام الحريه حسب تعريفه لها هو التواضع والمسامحة ، الى جانب معرفة البقاء والتقدّم والبناء ضمن حيّز الفقر والغدر والاستهداف الذي كان يتعرض له بلده ، وكان مع اشقائه العرب قلباً وقالباً بمن فيهم المتآمرين ، حتى باتت مملكته المنهكه ، ملجأ آمناً وكريماً لشعوب من استهدفوه ، ولو على حساب راحة شعبه الذي كان دائماً يخرج اليه وما خرج يوماً عليه ، وقد كانت رؤى الاحلام بالنسبة اليه اقل قسوة من ترائيات اليقظه التي كان يعيشها كل يوم ، ذلك ان الكوابيس كانت تنتهي حينما يستيقظ من نومه ، ولكن خوفه في الليل والنهار على وطن مزنّر بالرعب والنار جعله يمرض ويرحل باكراً ، تاركاً وراءه إرثاً ضخماً ومسؤوليات جسام ، واجيال كان لها أباً وقائداً لم تعرف قبلاً ملكاً غيره ، تشاركت معه في الرؤية والبناء ، عملت بصمت وأنجزت بامانه ، وصانت إرثه الأعظم ( الانسان اغلى ما نملك ) ، امورٌ كثيره تستحق التأمّل قادتني اليوم الى ذكراه والحديث عنها قد لا ينتهي ، في أي حال ، سيظل الحسين ، الانسان والملك عصيٌ على النسيان ، وسيظل مخلّداً في ذاكرة كل من عرفه، وسيبقى ابداً في قلوب أجياله التي أُحبّته دوماً ولم تخافه يوماً ….. الله يرحمك يا ابو عبدالله ….

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد