الملك في مادبا.. لماذا غيبتم الحراك وممثلي المجالس المحلية عن الطاولة – فلحة بريزات – الأردن
العالم الآن – تتداخل حيثيات زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني الأربعاء الفائت إلى مدينة مأدبا بعتب وصل حد الغضب من جُلّ أبناء المدينة وصولا الى ألويتها حين غيبت تشريفات القصر، ودوائرمعنية مكونات كان تمثيلها ضرورة وطنية لإحداث إختراق نوعي في حالة المشهد العام الذي بات يقلق الجميع.-إلا اذا كانت مبرراتهم أقوى من رسائل ملكية- حين التقى رأس الدولة ألوان الطيف كافة خلال زيارات ثمانٍ شهدتها المحافظة، ولواء ذيبان خلال عقد من الزمن ، وهي رسالة لا يقرأها إلا من يفك الخط ويجيد الكتابة، وتخطى سياسة الاقصاء والاسترضاء لصون العلاقة التعاقدية بين الحاكم والمحكوم.
بالأمس القريب وفي مادبا تحديداً أخفق من يرسم حظ المستقبل، حين وفر بيئة لمشروعية تساؤلات ترددت بلا مواربة : لماذا تم القفزعن تمثيل شباب الحراك في اللقاء ؟! ألم تكن مناسبة قد تُطوى فيها صفحات ألقت بتبعاتها على الوطن عبرحوار صريح ومباشر مع ملك البلاد بعيداً عن الوسطاء والوكلاء الذي لم يعد لهم تأثير في مجمل الأحداث الدائرة سوى إيصال الصورة المغلوطة، وشيطنة الخلق؟!. ألم تكن هي مناسبة لجسر الهوة بين ملك وشعب تآكلت أطرافه من هيمنة من يتمنى أن تبقى المسافات متدحرجة حتى لا تندثر امتيازاته وتظهر اخفاقات تعاطيه مع الشأن العام؟
ويتوسع السؤال لماذا حصر اللقاء في منزل ؟ – لا اختلاف على قيمة صاحبه – ومتحدثون لا يتجاوز عددهم الأصابع مجتمعة لا يعكسون إلا ذاتهم بحسب حديث دائر، في حين أن الباقي كانت عيونهم هي فقط الحاضرة، هذا إذا قفزنا عما سمعنا من مطالبات البعض بحق امتياز ألقاب أسقطتها عليهم بعض دوائر القرار، وليس خافيا على أحد ماهية أهدافها، وطرق استخداماتها عند ضرورة ليست وطنية .
تساؤلات ستبقى حتماً معلقة،هل حضور اللون الواحد ،والمقرب والمكرر، وفي ظل تحديات ضاغطة يوصل المعاناة، ويُبوب الأولويات ويجسر الهوة ؟ أوليس هذا قصورا في قراءة الواقع المقلق ومخالفا للإرادة الشعبية بأن الوطن للجميع وفوق الجميع ؟!
كنا نعتقد أن مقولة ( من فوق) طواها الزمن، والوثيق بأن الزائر لا يقف عند تفاصيل الاستقبال، أو من يحاوره، أو يجلس على طاولته، ولا يضع محددات، فكيف إذا كان هذا الضيف هو ملك البلاد ؟! وبالمنطق الحاضر لديه والغائب عندهم ،هو راعٍ لكل الأردنيين لا يميز بين أبناء الوطن مهما كانت انتماءاتهم، وطرائق تفكيرهم.
ترافق العتب مع غصة جسدتها عيون أطفال أمّنوا النفس البريئة برؤية الزائر، في مشهد ألفناه منذ زمن بعيد حين كان الراحل العظيم الملك الحسين يقوم بزيارة، حينها كنا نقف سويعات لا نعرف التعب، نرقب حبيب الشعب، لنحظى بكلمة أو لمسة يد حانية ،وكأن الموكب لا يسير.
بالأمس كانت المسافة المكانية،وقد تكون (الروحية )لا أعلم قريبة من الضيف لكنها بعيدة بفضل حواجز بشرية حجبت الرؤية عن صغار حملوا كثيرا من الأحلام وقليلا من الخيبة، وعن كبار حملوا ايضا أوراق أوجاعهم ، حضرت التعليمات صارمة بأن لا يتجاوز الواقفون الخط الأحمر المرسوم في الأذهان.
وسأروي لكم حادثة تختزل المشهد الإنساني فقد كنت قريبة من مكان اللقاء بالصدفة البحتة، وقد حشروا المواطنين الزاحفين على أوجاعهم، والمتأملين رؤية الملك في زاوية غير مرئية ، أطفال في رحلة العودة من المدارس جلسوا على الرصيف، غير آبهين ببرودة الطقس، ولا بخواء أمعائهم خوفا من إضاعة رؤية المليك ، كانت هناك طفلة لا يتجاوز عمرها ثماني سنوات تحمل علماَ ترغب بتقديمه لجلالة الملك، تحدثت والدتها مع أحد موظفي التشريفات، وبعيدا عن التفاصيل التي أحتفظ بها تم سحب الطفلة ووالدتها من بين المجاميع المتأملة، والمتساءلة والمغلوب على أمرها لماذا هي وليس نحن؟ حينها عرفت أن الموظف الفطين لم يعلم حجم الانكسار الذي خلفه فعله هذا في عيون الأطفال والكبار الناظرين انفراجة حظ وأمل .
وعودة الى التفاصيل أبصرت المحافظة زيارات ملكية متواصلة ، اللافت فيها زيارة لواء ذيبان بُعيد إنطلاق الحراك الذيباني، وللزيارة وتوقيتها دلالات عميقة حينها كان ( معالي خالد الكركي) رئيسا للديوان، وهنا تظهر الحكمة بين من يتقنون فن الممكن ويعرفون الوجع الحقيقي للناس، ويقربون المسافات ، وبين أولئك الذين يشيطنون الخلق وبالعامية يرشون( السكر على الموت) .
تلك الزيارة لم تؤطر بحدود ، لم يُطلب تقديم حسن سلوك أو صك ولاء وانتماء كان الوطن حاضرا بكل تلاوينه ، وكما سمعنا حينها كان الملك واضحا فيما يخص احتياجات اللواء والتي كان من ضمنها : انشاء كلية جامعية للتخفيف عن أبناء اللواء لكنها للاسف ما زالت غائبة في أدراج المسؤولين لليوم ،اضافة الى عدد من المشروعات الخدمية التي أمر بتنفيذها لتخفف من وطأة فقر ما زالت تعيشه ذيبان منذ عقود.
وأما الأكثر ايلاما، وغير المبرر في زيارة الأربعاء، هو الإطاحة بممثلي المجالس المحلية ولا أقول البرلمانية لأن معظمهم انتهت مدة صلاحيته، واستبعادهم حتى ولو مرورا من أمام المدينة الصناعية التي تفقدها الملك، وهي -أي المدينة – تتوسط ثلاث قرى يمثلونها: لب، ودليلة الحمايدة، ومليح .لا شك هي إساءة بالغة القسوة لا تغتفر، ولن تسقط بالتقادم ،وكأن المنطقة لا يقطنها إلا الطير.
يبقى اليقين، وإن أسقط البعض قناعاته على مجمل الأحداث،وتصنيف الناس بين موالٍ ومعارض ،إلا أن هناك من يحرص على احتواء غضب الناس وجبر خواطرهم، وايصال صوتهم ، لا غاية يرتجيها سوى تجسير ثُلْمَة نأمل أن لا تتسع مداياتها لأن الخاسر الأوحد هو الوطن.