فراس بو حاطوم يكتب .. سماحة الشيطان
العالم الآن – ذلك الصندوق كان يحتوي على عملات لبنانية من كل الفئات وقف شابان يحملان كل منهما صندوقاً وعليه رسم يرمز للمقاومة وان الأموال التي سنضعها في الصندوق ستكون ثمن رصاصاً لمواجهة العدو … دون ان افكر او حتى أتردد .. انتزعت محفظتي من جيبي الخلفية وانتشلت منهاً مبلغاً واقتربت بسيارتي مبتسماً مهللاً للشاب الذي يمثل المقاومة .. فدنى مني لأتمكن من إسقاط المال في صندوقه .. قال شكراً وعلامات الجدية تعلو وجهه .. بعد ساعة من الوقت عدت من الموعد الذي كنت اقضيه .. فمررت على نفس الطريق .. لكن من جهة الشاب المقاوم الثاني .. كان السير مكتظاً .. رأيت الناس تضع المال في صندوقه بفرح .. عاودت انتشال محفظتي بفرح .. فهو كيف سيعرف انني دفعت لصديقه منذ ساعة .. وعيناه شاخصة في عيناي .. شعرت بالخجل منه ..، وانتزعت مبلغاً هذه المرة كان اقل بقليل … وبنفس اللهفة والبسمة أسقطت المال في صندوق ذلك المقاوم والذي ومن شدة الجدية والالتزام تشعر انه عائداً منذ لحظات من الجبهة …لم يكن هذا الموقف الاول او الأخير فأنا كنت من عشاق هذه المقاومة وانخراطي في الأسلاك العسكرية بداية في الجيش اللبناني وبعدها في قوى الامن الداخلي كان نتيجة شغفي بالحياة العسكرية ومقاومة الاحتلال فأنا من الاطفال الذين عانوا من غطرسة واجرام الصهاينة واصبت في خاصرتي عندما كنت طفلاً بشظية نتيجة القصف على مواقع الجبهة الديمقراطية الفلسطينية التي كانت مرابضة في وديان الناعمة حيث نشأت وترعرت ..كنت أتباهى بأنني داعماً للمقاومة وأغدق المال في صناديقهم وحتى وانا مرتدي البذة العسكرية الرسمية لم أتوانى لحظة من التبرع ولو بأي مبلغ …
٧ ايار ٢٠٠٨ .. كنت في الخدمة في ثكنة الحلو – مارالياس بيروت .. الشوارع خالية فقط سيارات المليشيات المسلحة ووجوه مغطاة باللون الأسود وأسلحة من كل العيارات تخرج من نوافذ السيارات … كل الدوريات العسكرية الأمنية الرسمية لم تخرج الى مهماتها .. فقط دوريات للجيش اللبناني تقف على زوايا الطرقات في مشهد مذل .. شاهد لا اكثر … ترهيب ترويع قتل .. رصاص متطاير على الأبنية والبيوت وسيارات الناس .. حواجز مليشياوية تنكيل تعذيب ذُل … بعد الظهر وفِي ذروة المناوشات العسكرية المليشياوية استطعت الخروج والذهاب الى منزلي الكائن في الشويفات .. لم يكن المشهد اقل فظاعة وبشاعة واجرام .. صديقي كريم .. رجال المقاومة اقتلعوا عينيه ومثلوا في جثته .. صديقي شادي .. مقتولاً بثلاث رصاصات .. صديقي فادي … تم تصفيته في منزله امام اعين والدته … هرعت الى منزل صديقي حيث تواجد العديد من الشبان يحاولون الوصول لاحد الجرحى على خط التماس … تبرعت بالمهمة وعندما وصلت اليه رايته ينزف من راْسه .. ليس مقاتلاً .. انه يملك محل لبيع الهواتف واصيب وهو في منزله برصاصة طائشة .. هرعت به الى المستشفى أدخلته وذهبت .. كنت اسأل عّم اذا كان هناك جرحى إضافيين لاحضرهم .. مشهد مروع وطوال الوقت أزيز الرصاص فوق رؤوسنا لم يتوقف وقذائف الأربي جي تنفجر في السماء فوقنا .. حرب فعلية .. وكالسحر .. ومثل عادتهم دائماً رجال السياسة اوقفوا اللعبة بعد ان تواصلوا هاتفياً وسمحوا للجيش ( سمحوا ) ان يدخل الى المناطق ليحصي القتلى والجرحى والدمار .. ثم عقدوا الصلح ودماء الشهداء لم تجف .. ما يؤلمني ويشعرني بالخذي … هو انني ودون ان ادري ودون قصد كنت شريكاً بقتل أصدقائي … فأنا دفعت ثمن تلك الرصاصات لمن اعتبرتهم مقاومة .. لم أستطيع حضور مآتمهم .. لم اجروء على وضع عيني بأعين عائلاتهم ..وكيف لي ان أبقى ثابتاً امام دموع من اصبحوا يتامى .. وكيف لي الصمود امام امهات تنتحب اولادها … سامحوني يا أصدقائي انا مثل آلاف الناس تمكنوا من استغبائنا تمكنوا من استمالة عواطفنا … الرحمة لأرواحكم ولروح كل من سقط نتيجة ألعاب الزعماء الفاسدين ..
#سماحةالشيطان
#المزرعةاللبنانية
#كلنيعنيكلن