القضية الفلسطينية في الملعب الدولي – د. غالب سعد – الأردن

0 326

العالم الآن – بدعوة من معهد الدراسات الشرقية، التابع لوزارة الخارجية الروسية، اجتمعت في موسكو، بين الحادي عشر والثالث عشر من شهر فبراير/ شباط الحالي، عشر فصائل فلسطينية، لبحث التحديات التي تواجه قضيتهم، وفي مقدمتها خطة الإدارة الامريكية المعروفة ( بصفقة القرن)، ومحاولة ترميم النظام السياسي الفلسطيني، وردم الهوة بين الفصائل المتخاصمة، أساساً، حركتي فتح وحماس، المفارقة ان ما يمكن قراءته بين سطور الإجتماع، يفوق بأهميته ما تم بحثه بين المجتمعين أو ” المخرجات ” التي من الصعب التعرف عليها، فقد تعثر الأجتماع منذ اليوم الأول، بإنسحاب حركة الجهاد الإسلامي، واعتراضها على مشروع البيان الختامي، بينما عبّرَت بقية الفصائل، عن مواقف تكتيكية وملتبسة، وكانت حجة الجهاد، أن البيان تضمن صياغات غير مقبولة، مثل، الإشارة الى منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967، وهي قضايا لم تعد تشكل سبباً لتشتيت موقف الفلسطينيين، في وقت هم أحوج لرَص صفوفهم، والوقوف في وجه التحديات التي تواجه قضيتهم، ففي الوقت الذي لم يجد المجتمعون صعوبة في رفض صفقة القرن، نظرياً على الأقل، فقد فشلوا في تحقيق أي تقدم في موضوع المصالحة وإنهاء الانقسام، وهو ما يشكل موضوعياً، مساهمة في تمرير الصفقة دون مقاومة، بهذه النتيجة يكون قد انتهى المضمون المعلن لإجتماع موسكو، الذي لم يكن أكثر من محاولة تسديد كُرِةٍ روسية في مرمى الولايات المتحدة، الشرق أوسطي.

بالعودة الى القراءة بين السطور والأبعاد الضمنية للإجتماع، فمن المستغرب أن يلاقي كل هذا الفشل، لو كانت موسكو إتخذت الترتيبات اللازمة لإنجاحه، او كانت تعتقد ان بالإمكان الخروج بنتائج أفضل مما حصل، فعلى الأغلب لم تكن موسكو تريد أكثر من مجرد عقد الإجتماع في هذا الوقت، واستخدامه كمنصة شرق أوسطية، تطلق منها عدداً من الرسائل، باتجاه الولايات المتحدة، التي أعلنت عزمها الإنسحاب من الأراضي السورية، وأعطت بذلك فرصةً لموسكو لتكريس إنتصارها في الساحة السورية، واثبات انها اصبحت لاعباً رئيسياً في قلب الشرق الأوسط، معنية بقضاياه، بدون استثناء، بما فيها قضية فلسطين، التي تحاول الولايات المتحدة إحتكارها عن طريق صفقة القرن، وليس بالصدفة ان تختار موسكو، عقد الإجتماع الفلسطيني في نفس الوقت الذي تعقد فيه الولايات المتحدة، مؤتمر السلام والأمن في الشرق الأوسط، في العاصمة البولندية، وارسو، وعلى جدول أعماله، ما بات يعرف بصفقة القرن، وتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بغياب الفلسطينيين أنفسهم، ومحاولة بناء تحالف دولي، يضم العرب والإسرائيليين، لمواجهة ايران، أحد حلفاء روسيا القلائل في المنطقة، ولم يكن خافياً على الروس المعنى الإستفزازي ، لإختيار مدينة وارسو مكاناً للمؤتمر ، وهي التي كانت في العهد السوفييتي مقراً لحلف عسكري شيوعي لمواجه حلف الناتو والسياسات الامريكية، وتستعد اليوم تصبح قاعدة متقدمة لصواريخ الناتو التي تهدد الاراضي الروسية .

ان انسحاب حركة الجهاد الإسلامي ورفضها التوقيع على البيان الختامي لاجتماع موسكو، يحمل دلالات خاصة، بإعتبارها الفصيل الفلسطيني المحسوب على ايران، والتي يمكنها من خلاله توجيه رسالة احتجاج مزدوجة، الاولى موجه لحركة حماس، التي تسعى، بالتعاون مع مصر لترتيب هدنة مع الإسرائيليين، يكون من أهدافها إجتثاث النفوذ الايراني من القطاع، والثانية موجهة الى روسيا بصفتها شريكة ايران في الحرب السورية، ولم تترك لها، حصة مجزية من الغنائم ، ولم تعترض حتى على الهجمات الاسرائيلية المتكررة ضد القواعد الايرانية وقواعد حزب الله في الأراضي السورية، وحتى حركة حماس، لم تكن في الاجتماع في وضع مريح، فقد ألغت موسكو قبل أسابيع، دعوة كانت وجهتها لرئيس المكتب السياسي، اسماعيل هنية، وكانت حماس تأمل من اجتماع الفصائل، أن يشكل فرصة للتقرب من دمشق، والعودة اليها بمساعدة روسية، الا ان التحالف المسيطر على الساحة السورية، قدَّر ان الوقت لم يحن بعد، للتسامح مع حماس وغفران وقوفها ضد النظام السوري.

أما المشاركة الفلسطينية الرسمية، الممثلة بحركة فتح والفصائل المتحالفه معها في هذا الجتماع، فتحمل هي الأخرى رساله الى الولايات المتحدة مفادها، اذا كان غيابنا عن مؤتمركم في وارسو لا يهمكم، فاننا هنا في موسكو نبحث عن راعٍ جديد لعملية السلام، وربما نبيع الورقة الفلسطينية لخصومكم، ولكننا لم نحسم أمرنا ولم نتورط بخطوات عملية بعد، وتأكيدا على تعلقنا بعودة المياه الى مجاريها معكم ومع تحالفكم، فإن الرئيس ابو مازن يقوم في هذا الوقت بالذات، بزيارة للمملكة العربية السعودية، أحد أهم شركائكم في المؤتمر وفي المنطقة، وهي ستستقبل بعد أيام الفريق الأمريكي الخاص بعملية السلام وصفقة القرن، فما زالت فرصة التفاهم معكم قائمة !!!.

اذا جاز اعتبار اجتماع الفصائل الفلسطينية في موسكو بمثابة َردِ روسي علي الولايات المتحدة، في إطار حرب باردة جديدة، لأنها اختارت وارسو مكاناً لعقد المؤتمر كما سبق، فان هذا الإختيار الأمريكي يشكل إستفزازاً لكثير من العواصم الاوروبية الغربية، التي عُرِفَت باهتمامها بالشرق الأوسط وقضاياه، وتم تجاوزها جميعاً لصالح وارسو، وهذا مؤشر على أزمة في علاقات الادارة الأمريكية مع حلفائها الأوروبيين، الذين اختاروا، المناكفة معها على الطريقة الروسية، فقرروا مجتمعين، عقد موتمرٍ لدعم الفلسطينيين في أي مفاوضات قادمة، وحددوا مكانه في العاصمة الايرلندية، المعروفة بمعارضتها الشديدة والصريحة للسياسات الامريكية والاسرائيلية حيال الفلسطينيين.

أخيراً، اذا كانت القضية الفلسطينية مازالت مهمة، لدرجة أن الدول الكبرى تتقاذفها ككرة في مبارزاتها السياسية، فهل يلتقط الفلسطينيون الفرصة للوقوف الى جانب قضيتهم، إن لم يكن كلاعبين فليكن كمشجعين ؟؟؟ أما من لا يجيدون اللعب ولا التشجيع، فشكراً لهم اذا ساهموا في تنظيف الملعب بعد انتهاء المباراة.
[email protected]

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد